)حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ( البقرة:238 ) ) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) ( البقرة:239 )
التفسير:
فإن قال قائل: ما وجه ارتباط هاتين الآيتين بما يتعلق بشأن العدة للنساء ؟
فالجواب: أن ترتيب الآيات توفيقي ليس للعقل فيه مجال ؛والله أعلم بما أراد ؛وقد التمس بعض المفسرين حكمة لهذا ؛ولكن لما لم يتعين ما ذكره أحجمنا عن ذكرها ؛ونَكِلُ العلم إلى منزل هذا الكتاب العظيم ،ونعلم أنه لابد أن يكون هناك حكمة ،أو حِكَم ؛لأن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم .
قوله تعالى:{حافظوا على الصلوات}: «المحافظة » الاستمرار في حفظ الشيء مع العناية به ؛ولم يبين الله في هذه الآية كيفية المحافظة ؛لكن بينت في مواضع أخرى من الكتاب ،والسنة ؛وهو أبلغ من قولك: «احفظ كذا » ؛بدليل أنك لو أعطيتني وديعة ،وقلت: «حافظ عليها » ،أو قلت: «هذه وديعة احفظها » لكان الأول أبلغ ؛فلهذا جاءت في الآية:{حافظوا على الصلوات}؛و{الصلوات} جمع صلاة ؛وهي في اللغة: الدعاء ؛وفي الشرع العبادة المعروفة .
قوله تعالى:{والصلاة الوسطى} أي الفضلى ؛وهي صلاة العصر ،كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{[424]} ؛ولا عبرة بما خالفه ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بمراد الله ؛وقد قال الله سبحانه وتعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [ النحل: 44] .
قوله تعالى:{وقوموا لله قانتين}: هذا أمر بالقيام ؛ولا إشكال فيه ؛وهل المراد بالقيام هنا المكث على الشيء ،أو القيام على القدمين ؟هو المعنيان جميعاً ؛واللام في قوله تعالى:{لله} للإخلاص .
قوله تعالى:{قانتين} حال من الواو في{قوموا} أي حال كونكم قانتين ؛و «القنوت » يطلق على عدة معانٍ ؛منها: دوام العبادة ،والطاعة ؛ومنه قوله تعالى:{وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [ التحريم: 12]؛ويطلق «القنوت » على «الخشوع » - وهو السكوت تعظيماً لمن قنت له ؛وعليه يدل سبب نزول الآية ؛فإنه كان أحدهم يكلم صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت:{وقوموا لله قانتين} فأمروا بالسكوت ،ونهوا عن الكلام ؛{[425]} إذاً ف «القنوت » خشوع القلب الذي يظهر فيه خشوع الجوارح ؛ومنها اللسان حتى لا يتكلم الإنسان مع الناس ؛ليتجه إلى صلاته ؛وكذلك لا يفعل إلا ما يتعلق بصلاته .
/خ239