يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي العمل أفضل ؟ قال:"الصلاة على وقتها ". قلت:ثم أي ؟ قال:"الجهاد في سبيل الله ". قلت:ثم أي ؟ قال:"بر الوالدين ". قال:حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، عن القاسم بن غنام ، عن جدته أم أبيه الدنيا ، عن جدته أم فروة وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الأعمال ، فقال:إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة لأول وقتها ".
وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي وقال:لا نعرفه إلا من طريق العمري ، وليس بالقوي عند أهل الحديث:
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى . وقد اختلف السلف والخلف فيها:أي صلاة هي ؟ فقيل:إنها الصبح . حكاه مالك في الموطأ بلاغا عن علي ، وابن عباس [ قال:مالك:وذلك رأيي] . وقال هشيم ، وابن علية ، وغندر ، وابن أبي عدي ، وعبد الوهاب ، وشريك وغيرهم ، عن عوف الأعرابي ، عن أبي رجاء العطاردي قال:صليت خلف ابن عباس الفجر ، فقنت فيها ، ورفع يديه ، ثم قال:هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين . رواه ابن جرير . ورواه أيضا من حديث عوف ، عن خلاس بن عمرو ، عن ابن عباس ، مثله سواء .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عوف ، عن أبي المنهال ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس:أنه صلى الغداة في مسجد البصرة ، فقنت قبل الركوع وقال:هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين )
وقال أيضا:حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال:صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة صلاة الغداة ، فقلت لرجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى جانبي:ما الصلاة الوسطى ؟ قال:هذه الصلاة .
وروي من طريق أخرى عن الربيع ، عن أبي العالية:أنه صلى مع أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، صلاة الغداة ، فلما فرغوا قال ، قلت لهم:أيتهن الصلاة الوسطى ؟ قالوا:التي قد صليتها قبل .
وقال أيضا:حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن عتمة ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله قال:الصلاة الوسطى:صلاة الصبح .
وحكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر ، وأبي أمامة ، وأنس ، وأبي العالية ، وعبيد بن عمير ، وعطاء ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، والربيع بن أنس . ورواه ابن جرير ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أيضا وهو الذي نص عليه الشافعي ، رحمه الله ، محتجا بقوله:( وقوموا لله قانتين ) والقنوت عنده في صلاة الصبح . [ ونقله الدمياطي عن عمر ، ومعاذ ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة على خلاف منهم ، وأبي موسى ، وجابر ، وأنس ، وأبي الشعثاء ، وطاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد] .
ومنهم من قال:هي الوسطى باعتبار أنها لا تقصر ، وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين . وترد المغرب . وقيل:لأنها بين صلاتي ليل جهريتين ، وصلاتي نهار سريتين .
وقيل:إنها صلاة الظهر . قال أبو داود الطيالسي في مسنده:حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزبرقان يعني ابن عمرو عن زهرة يعني ابن معبد قال:كنا جلوسا عند زيد بن ثابت ، فأرسلوا إلى أسامة ، فسألوه عن الصلاة الوسطى ، فقال:هي الظهر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يصليها بالهجير .
وقال [ الإمام] أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني عمرو بن أبي حكيم ، سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، منها ، فنزلت:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وقال:"إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين "، ورواه أبو داود في سننه ، من حديث شعبة ، به .
وقال أحمد أيضا:حدثنا يزيد ، حدثنا ابن أبي ذئب عن الزبرقان أن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت ، وهم مجتمعون ، فأرسلوا إليه غلامين لهم ; يسألانه عن الصلاة الوسطى ، فقال:هي العصر . فقام إليه رجلان منهم فسألاه ، فقال:هي الظهر . ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه ، فقال:هي الظهر ; إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان ، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم ، فأنزل الله:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) قال:فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم ".
الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري ، لم يدرك أحدا من الصحابة . والصحيح ما تقدم من روايته ، عن زهرة بن معبد ، وعروة بن الزبير .
وقال شعبة وهمام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن زيد بن ثابت قال:الصلاة الوسطى:صلاة الظهر .
وقال أبو داود الطيالسي وغيره ، عن شعبة ، أخبرني عمر بن سليمان ، من ولد عمر بن الخطاب قال:سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، يحدث عن أبيه ، عن زيد بن ثابت قال:الصلاة الوسطى هي الظهر .
ورواه ابن جرير ، عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، عن عبد الصمد ، عن شعبة ، عن عمر بن سليمان ، به ، عن زيد بن ثابت ، في حديث رفعه قال:الصلاة الوسطى صلاة الظهر .
وممن روي عنه أنها الظهر:ابن عمر ، وأبو سعيد ، وعائشة على اختلاف عنهم . وهو قول عروة بن الزبير ، وعبد الله بن شداد بن الهاد . ورواية عن أبي حنيفة ، رحمهم الله .
وقيل:إنها صلاة العصر . قال الترمذي والبغوي ، رحمهما الله:وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم ، وقال القاضي الماوردي:وهو قول جمهور التابعين . وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر:هو قول أكثر أهل الأثر . وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره:هو قول جمهور الناس . وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى:"كشف المغطى ، في تبيين الصلاة الوسطى ":وقد نصر فيه أنها العصر ، وحكاه عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي أيوب ، وعبد الله بن عمرو ، وسمرة بن جندب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وأم سلمة . وعن ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة على الصحيح عنهم . وبه قال عبيدة ، وإبراهيم النخعي ، وزر بن حبيش ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والكلبي ، ومقاتل ، وعبيد بن أبي مريم ، وغيرهم وهو مذهب أحمد بن حنبل . قال القاضي الماوردي:والشافعي . قال ابن المنذر:وهو الصحيح عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، واختاره ابن حبيب المالكي ، رحمهم الله .
ذكر الدليل على ذلك:
قال الإمام أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن مسلم ، عن شتير بن شكل عن علي قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:"شغلونا عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا ". ثم صلاها بين العشاءين:المغرب والعشاء .
وكذا رواه مسلم ، من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير ، والنسائي من طريق عيسى بن يونس ، كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى ، عن شتير بن شكل بن حميد ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وقد رواه مسلم أيضا ، من طريق شعبة ، عن الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار ، عن علي ، به .
وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغير واحد من أصحاب المساند والسنن ، والصحاح من طرق يطول ذكرها ، عن عبيدة السلماني ، عن علي ، به .
ورواه الترمذي ، والنسائي من طريق الحسن البصري ، عن علي ، به . قال الترمذي:ولا يعرف سماعه منه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر:قال قلت لعبيدة:سل عليا عن صلاة الوسطى ، فسأله ، فقال:كنا نراها الفجر أو الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو بيوتهم نارا "ورواه ابن جرير ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، به .
وحديث يوم الأحزاب ، وشغل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ ، مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم ، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى:هي صلاة العصر . وقد رواه مسلم أيضا ، من حديث ابن مسعود ، والبراء بن عازب رضي الله عنهما .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الوسطى:صلاة العصر ".
وحدثنا بهز ، وعفان قالا حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة:أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) وسماها لنا أنها هي:صلاة العصر .
وحدثنا محمد بن جعفر ، وروح ، قالا:حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هي العصر ". قال ابن جعفر:سئل عن صلاة الوسطى .
ورواه الترمذي ، من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة . وقال:حسن صحيح:وقد سمع منه .
[ حديث آخر]:وقال ابن جرير:حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن التيمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الصلاة الوسطى صلاة العصر ".
طريق أخرى ، بل حديث آخر:وقال ابن جرير:حدثني المثنى ، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي ، حدثنا الوليد بن مسلم . قال:أخبرني صدقة بن خالد ، حدثني خالد بن دهقان ، عن خالد بن سبلان ، عن كهيل بن حرملة . قال:سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى ، فقال:اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفينا الرجل الصالح:أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فقال:أنا أعلم لكم ذلك:فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليه ، ثم خرج إلينا فقال:أخبرنا أنها صلاة العصر غريب من هذا الوجه جدا .
حديث آخر:قال ابن جرير:حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام ، عن سالم مولى أبي بصير حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال:كنت جالسا عند عبد العزيز بن مروان فقال:يا فلان ، اذهب إلى فلان فقل له:أي شيء سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . في الصلاة الوسطى ؟ فقال رجل جالس:أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى ، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال:هذه الفجر ، وقبض التي تليها ، فقال:هذه الظهر . ثم قبض الإبهام ، فقال:هذه المغرب . ثم قبض التي تليها ، فقال:هذه العشاء . ثم قال:أي أصابعك بقيت ؟ فقلت:الوسطى . فقال:أي الصلاة بقيت ؟ فقلت:العصر . فقال:هي العصر . غريب أيضا .
حديث آخر:قال ابن جرير:حدثني محمد بن عوف الطائي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الصلاة الوسطى صلاة العصر ". إسناده لا بأس به .
حديث آخر:قال أبو حاتم بن حبان في صحيحه:حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير ، حدثنا الجراح بن مخلد ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الوسطى صلاة العصر ".
وقد روى الترمذي ، من حديث محمد بن طلحة بن مصرف ، عن زبيد اليامي ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الوسطى صلاة العصر "ثم قال:حسن صحيح .
وأخرجه مسلم في صحيحه ، من طريق محمد بن طلحة ، به ولفظه:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر "الحديث .
فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئا ، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، من رواية الزهري ، عن سالم ، عن أبيه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ". وفي الصحيح أيضا ، من حديث الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهاجر عن بريدة بن الحصيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بكروا بالصلاة في يوم الغيم ، فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن أبي تميم ، عن أبي بصرة الغفاري قال:صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد من أوديتهم ، يقال له:المخمص صلاة العصر ، فقال:"إن هذه الصلاة صلاة العصر عرضت على الذين من قبلكم فضيعوها ، ألا ومن صلاها ضعف له أجره مرتين ، ألا ولا صلاة بعدها حتى تروا الشاهد ".
ثم قال:رواه عن يحيى بن إسحاق ، عن الليث ، عن خير بن نعيم ، عن عبد الله بن هبيرة ، به .
وهكذا رواه مسلم والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث . ورواه مسلم أيضا من حديث محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن خير بن نعيم الحضرمي ، عن عبد الله ابن هبيرة السبائي .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد أيضا:حدثنا إسحاق ، أخبرني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة قال:أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ، قالت:إذا بلغت هذه الآية:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني . فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين "قالت:سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، به .
وقال ابن جرير:حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج ، حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال:كان في مصحف عائشة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ". وهكذا رواه من طريق الحسن البصري:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك . وقد روى الإمام مالك أيضا ، عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال:كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت:إذا بلغت هذه الآية:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني فلما بلغتها آذنتها . فأملت علي:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ".
وهكذا رواه محمد بن إسحاق بن يسار فقال:حدثني أبو جعفر محمد بن علي ، ونافع مولى ابن عمر:أن عمر بن نافع قال . . . فذكر مثله ، وزاد:كما حفظتها من النبي صلى الله عليه وسلم .
طريق أخرى عن حفصة:قال ابن جرير:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عبد الله بن يزيد الأزدي ، عن سالم بن عبد الله:أن حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا ، فقالت:إذا بلغت هذه الآية:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فآذني . فلما بلغ آذنها فقالت:اكتب:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ".
طريق أخرى:قال ابن جرير:حدثني ابن المثنى عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت:إذا بلغت هذه الآية:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى "فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها . فلما بلغها أمرته فكتبها:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ". قال نافع:فقرأت ذلك المصحف فرأيت فيه "الواو ".
وكذا روى ابن جرير ، عن ابن عباس وعبيد بن عمير أنهما قرآ كذلك .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبدة ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثني أبو سلمة ، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال:كان في مصحف حفصة:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ". وتقرير المعارضة أنه عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى بواو العطف التي تقتضي المغايرة ، فدل ذلك على أنها غيرها وأجيب عن ذلك بوجوه:أحدها أن هذا إن روي على أنه خبر ، فحديث علي أصح وأصرح منه ، وهذا يحتمل أن تكون الواو زائدة ، كما في قوله:( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) [ الأنعام:55] ، ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) [ الأنعام:75] ، أو تكون لعطف الصفات لا لعطف الذوات ، كقوله:( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) [ الأحزاب:40] ، وكقوله:( سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى ) [ الأعلى 14] وأشباه ذلك كثيرة ، وقال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وقال أبو دؤاد الإيادي:
سلط الموت والمنون عليهم فلهم في صدى المقابر هام
والموت هو المنون ; قال عدي بن زيد العبادي:
فقدمت الأديم لراهشيه فألفى قولها كذبا ومينا
والكذب:هو المين ، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل:مررت بأخيك وصاحبك ، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه ، والله أعلم .
وأما إن روي على أنه قرآن فإنه لم يتواتر ، فلا يثبت بمثل خبر الواحد قرآن ; ولهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان في المصحف الإمام ، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين تثبت الحجة بقراءتهم ، لا من السبعة ولا غيرهم . ثم قد روي ما يدل على نسخ هذه التلاوة المذكورة في هذا الحديث . قال مسلم:حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أخبرنا يحيى بن آدم ، عن فضيل بن مرزوق ، عن شقيق بن عقبة ، عن البراء بن عازب ، قال:نزلت:"حافظوا على الصلوات وصلاة العصر "فقرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ، ثم نسخها الله ، عز وجل ، فأنزل:( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فقال له زاهر رجل كان مع شقيق:أفهي العصر ؟ قال:قد حدثتك كيف نزلت ، وكيف نسخها الله ، عز وجل .
قال مسلم:ورواه الأشجعي ، عن الثوري ، عن الأسود ، عن شقيق .
قلت:وشقيق هذا لم يرو له مسلم سوى هذا الحديث الواحد ، والله أعلم . فعلى هذا تكون هذه التلاوة ، وهي تلاوة الجادة ، ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة ، ولمعناها ، إن كانت الواو دالة على المغايرة ، وإلا فللفظها فقط ، والله أعلم .
وقيل:إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب . رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس . وفي إسناده نظر ; فإنه رواه عن أبيه ، عن أبي الجماهر عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عمه ، عن ابن عباس قال:صلاة الوسطى:المغرب . وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضا عن قتادة على اختلاف عنه . ووجه هذا القول بعضهم بأنها:وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية ، وبأنها وتر المفروضات ، وبما جاء فيها من الفضيلة ، والله أعلم .
وقيل:إنها العشاء الآخرة ، اختاره علي بن أحمد الواحدي في تفسيره المشهور:وقيل:هي واحدة من الخمس ، لا بعينها ، وأبهمت فيهن ، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر . ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ونافع مولى ابن عمر ، والربيع بن خثيم ، ونقل أيضا عن زيد بن ثابت ، واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته .
وقيل:بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر ، وفي صحته أيضا نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري ، إمام ما وراء البحر ، وإنها لإحدى الكبر ، إذ اختاره مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر . وقيل:إنها صلاة العشاء وصلاة الفجر ، وقيل:بل هي صلاة الجماعة . وقيل:صلاة الجمعة . وقيل:صلاة الخوف . وقيل:بل صلاة عيد الفطر . وقيل:بل صلاة عيد الأضحى . وقيل:الوتر . وقيل:الضحى . وتوقف فيها آخرون لما تعارضت عندهم الأدلة ، ولم يظهر لهم وجه الترجيح . ولم يقع الإجماع على قول واحد ، بل لم يزل التنازع فيها موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن .
قال ابن جرير:حدثني محمد بن بشار وابن مثنى ، قالا:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال:سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال:كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا ، وشبك بين أصابعه .
[ وقد حكى فخر الدين الرازي في تفسيره قولا عن جمع من العلماء منهم زيد بن ثابت ، وربيع بن خثيم:أنها لم يرد بيانها ، وإنما أريد إبهامها ، كما أبهمت ليلة القدر في شهر رمضان ، وساعة الإجابة في يوم الجمعة ، والاسم الأعظم في أسماء الله تعالى ، ووقت الموت على المكلف ; ليكون في كل وقت مستعدا ، وكذا أبهمت الليلة التي ينزل فيها من السماء وباء ليحذرها الناس ، ويعطوا الأهبة دائما ، وكذا وقت الساعة استأثر الله بعلمه ; فلا تأتي إلا بغتة] .
وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها ، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر . وقد ثبتت السنة بأنها العصر ، فتعين المصير إليها .
وقد روى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب "فضائل الشافعي "رحمه الله:حدثنا أبي ، سمعت حرملة بن يحيى التجيبي يقول:قال الشافعي:كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، ولا تقلدوني . وكذا روى الربيع والزعفراني وأحمد بن حنبل ، عن الشافعي . وقال موسى أبو الوليد بن أبي الجارود ، عن الشافعي:إذا صح الحديث وقلت قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك . فهذا من سيادته وأمانته ، وهذا نفس إخوانه من الأئمة ، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين آمين . ومن هاهنا قطع القاضي الماوردي بأن مذهب الشافعي ، رحمه الله ، أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح ، لصحة الأحاديث أنها العصر ، وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثي المذهب ، ولله الحمد والمنة . ومن الفقهاء في المذهب من ينكر أن تكون هي العصر مذهبا للشافعي ، وصمموا على أنها الصبح قولا واحدا . قال الماوردي:ومنهم من حكى في المسألة قولين ، ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا ، وقد أفردناه على حدة ، ولله الحمد والمنة .
وقوله تعالى:( وقوموا لله قانتين ) أي:خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه ، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة ، لمنافاته إياها ; ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه ، وهو في الصلاة ، اعتذر إليه بذلك ، وقال . "إن في الصلاة لشغلا "، وفي صحيح مسلم أنه عليه السلام قال لمعاوية بن الحكم [ السلمي] حين تكلم في الصلاة:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله ".
وقال الإمام أحمد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، حدثني الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم قال:كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحاجة في الصلاة ، حتى نزلت هذه الآية:( وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت . رواه الجماعة سوى ابن ماجه ، به ، من طرق عن إسماعيل ، به .
وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء ، حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة ، قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة ، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح ، قال:كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، قال:فلما قدمنا سلمت عليه ، فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما سلم قال:"إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة ، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة ".
وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديما ، وهاجر إلى الحبشة ، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم ، فهاجر إلى المدينة ، وهذه الآية:( وقوموا لله قانتين ) مدنية بلا خلاف ، فقال قائلون:إنما أراد زيد بن أرقم بقوله:"كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة "الإخبار عن جنس الناس ، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها ، والله أعلم .
وقال آخرون:إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ، ويكون ذلك فقد أبيح مرتين ، وحرم مرتين ، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم ، والأول أظهر . والله أيضا أعلم .
وقال الحافظ أبو يعلى:حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا إسحاق بن يحيى ، عن المسيب ، عن ابن مسعود قال:كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فوقع في نفسي أنه نزل في شيء ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال:"وعليك السلام ، أيها المسلم ، ورحمة الله ، إن الله ، عز وجل ، يحدث من أمره ما يشاء فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا ".