)وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) ( البقرة:270 )
التفسير:
قوله تعالى:{وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر}؛{ما} هنا شرطية ؛والدليل على أنها شرطية أنها مركبة من شرط ،وجواب ؛والشرط هو:{أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر}؛والجواب:{فإن الله يعلمه} ؛و{مِن} زائدة زائدة ؛أي زائدة إعراباً زائدة معنًى ؛لأنها تفيد النص على العموم ؛وهي حرف جر زائد من حيث الإعراب ؛ولهذا نعرب:{نفقةٍ} على أنها مفعول به - أي: ما أنفقتم نفقةً أو نذرتم نذراً فإن الله يعلمه ؛ويجوز أن تكون بياناً لاسم الشرط{ما} في قوله تعالى:{ما أنفقتم}؛لأن «ما » الشرطية مبهمة ؛والمبهم يحتاج إلى بيان .
قوله تعالى:{فإن الله يعلمه} هذه جملة جواب الشرط ؛والفاء هنا واقعة في جواب الشرط وجوباً ؛لأنه جملة اسمية ؛وإذا وقع جواب الشرط جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء ؛وفي ذلك يقول الناظم فيما يجب اقترانه بالفاء:
اسمية طلبية وبجامدٍ وبما وقد وبلن وبالتنفيس قوله تعالى:{وما للظالمين من أنصار} جملة منفية ؛والمبتدأ فيها قوله تعالى:{من أنصار}؛و{من} فيها زائدة إعراباً زائدة معنًى ؛يعنى تزيد المعنى - وهو النص على العموم - وإن كانت في الإعراب زائدة ؛ولهذا نعرب{أنصار} على أنها مبتدأ مؤخر مرفوع بالابتداء ؛وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد .
وقوله تعالى:{وما أنفقتم من نفقة} ،أي أيّ شيء تنفقونه من قليل أو كثير فإن الله يعلمه .
وقوله تعالى:{أو نذرتم من نذر} ،أي أوجبتم على أنفسكم من طاعة ،مثل أن يقول القائل: «لله عليّ نذر أن أتصدق بكذا » ؛أو «أن أصوم كذا » ؛{فإن الله يعلمه}؛وذِكر العلم يستلزم أن الله يجازيهم ،فلا يضيع عند الله عز وجل .
قوله تعالى:{وما للظالمين} أي للمانعين ما يجب إنفاقه ،أو الوفاء به من النذور{من أنصار} أي مانعين للعذاب عنهم .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن الإنفاق قليله وكثيره يثاب عليه المرء ؛وذلك لقوله تعالى:{وما أنفقتم من نفقة} ،وكلمة{نفقة} نكرة في سياق الشرط ؛فهي تعم ؛وعلى ذلك تشمل القليل ،والكثير ؛لكن الثواب عليها مشروط بأمرين: الإخلاص لله ؛وأن تكون على وفق الشرع .
2 - ومنها: أنه ينبغي للإنسان إذا أنفق نفقة أن يحتسب الأجر على الله ؛لقوله تعالى:{فإن الله يعلمه}؛لأنك إذا أنفقت وأنت تشعر أن الله يعلم هذا الإنفاق فسوف تحتسب الأجر على الله .
3 - ومنها: أن ما نذره الإنسان من طاعة فهو معلوم عند الله .
4 - هل تدل الآية على جواز النذر ؟
الجواب: الآية لا تدل على الجواز ،كما لو قال قائل مثلاً: «إن سرَقتَ فإن الله يعلم سرقتك » ؛فإن هذا لا يعني أن السرقة جائزة ؛وعلى هذا فالآية لا تعارض نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر{[510]} ؛لأن النهي عن النذر يعني إنشاءه ابتداءً ؛فأما الوفاء به فواجب إذا كان طاعة ؛لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه »{[511]} .
5 - ومنها: عموم علم الله بكل ما ينفقه الإنسان ،أو ينذره من قليل ،أو كثير .
6 - ومنها: الرد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله ،وليس لله فيه تدخل إطلاقاً ؛وجه ذلك: أنه إذا كان الله يعلمه فلا بد أن يقع على حسب علمه ؛وإلا لزم أن يكون الله غير عالم ؛ولهذا قال بعض السلف: جادلوهم بالعلم ؛فإن أقروا به خُصِموا ؛وإن أنكروه كفروا .
7 - ومنها: أن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الظالم ؛لقوله تعالى:{وما للظالمين من أنصار}؛ولا يرد على هذا ما وقع في أُحد من انتصار الكافرين لوجهين:
الوجه الأول: أنه نوع عقوبة ،حيث حصل من بعض المسلمين عصيانهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ،كما قال تعالى:{حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} [ آل عمران: 152] .
الوجه الثاني: أن هذا الانتصار من أجل أن يمحق الله الكافرين ؛لأن انتصارهم يغريهم بمقاتلة المسلمين ؛حتى تكون العاقبة للمسلمين ،كما قال تعالى:{وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} [ آل عمران: 141] .
8 - ومن فوائد الآية: أن من دعا على أخيه وهو ظالم له فإن الله لا يجيب دعاءه ؛لأنه لو أجيب لكان نصراً له ؛وقد قال تعالى:{إنه لا يفلح الظالمون} [ الأنعام: 21] .
9 - ومنها: الثواب على القليل ،والكثير ؛وفي القرآن ما يشهد لذلك ،مثل قوله تعالى:{ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} [ التوبة: 121] ،وقوله تعالى في آخر سورة الزلزلة:{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} [ الزلزلة: 7 ،8] .