)إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( البقرة:271 )
التفسير:
قوله تعالى:{إن تبدوا الصدقات} أي تظهروها{فنعمَّا هي}: جملة إنشائية للمدح ؛وقُرنت بالفاء وهي جواب الشرط لكونها فعلاً جامداً{وإن تخفوها} أي تصدَّقوا سراً{وتؤتوها الفقراء} أي تعطوها المعدمين ؛وذكر{الفقراء} هنا على سبيل المثال ؛{فهو خير لكم} أي من إظهارها ؛والجملة: جواب الشرط ؛وقرنت بالفاء لكونها اسمية .
قوله تعالى:{ويكفر عنكم من سيئاتكم} الجملة استئنافية ؛ولذلك كان الفعل مرفوعاً ؛و «التكفير » بمعنى السَّتر ؛{سيئاتكم} جمع سيئة ؛وهي ما يسوء المرء عمله ،أو ثوابه .
قوله تعالى:{والله بما تعملون خبير} ،أي عليم ببواطن الأمور كظواهرها .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: الحث على الصدقة ،والترغيب فيها سواء أبداها ،أو أخفاها .
2 - ومنها: أن إخفاء الصدقة أفضل من إبدائها ؛لأنه أقرب إلى الإخلاص ؛وأستر للمتصدق عليه ؛لكن إذا كان في إبدائها مصلحة ترجح على إخفائها - مثل أن يكون إبداؤها سبباً لاقتداء الناس بعضهم ببعض ،أو يكون في إبدائها دفع ملامة عن المتصدق ،أو غير ذلك من المصالح - فإبداؤها أفضل .
3 - ومنها: أن الصدقة لا تعتبر حتى يوصلها إلى الفقير ؛لقوله تعالى:{وتؤتوها الفقراء} .
ويتفرع على هذا فرعان:
أحدهما: أن مؤونة إيصالها على المتصدق .
الثاني: أنه لو نوى أن يتصدق بماله ،ثم بدا له ألا يتصدق فله ذلك ؛لأنه لم يصل إلى الفقير .
4 - ومنها: تفاضل الأعمال - أي أن بعض الأعمال أفضل من بعض ؛لقوله تعالى:{فهو خير لكم}؛وتفاضل الأعمال يكون بأسباب:
أ - منها التفاضل في الجنس ،كالصلاة - مثلاً - أفضل من الزكاة ،وما دونها .
ب - ومنها التفاضل في النوع؛فالواجب من الجنس أفضل من التطوع ؛لقوله تعالى في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه »{[512]} .
ج - ومنها التفاضل باعتبار العامل لقوله ( ص ): «لا تسبوا أصحابي ،فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه »{[513]} .
د - ومنها التفاضل باعتبار الزمان ،كقوله ( ص ) في العشر الأول من ذي الحجة: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر »{[514]} ،وكقوله تعالى:{ليلة القدر خير من ألف شهر} [ القدر: 3] .
ه - ومنها التفاضل بحسب المكان ،كفضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره .
و - ومنها التفاضل بحسب جودة العمل وإتقانه ،كقوله ( ص ): «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ؛والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران »{[515]} .
ز - ومنها التفاضل بحسب الكيفية ،مثل قوله ( ص ): «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ...» ،وذكر منهم: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه »{[516]} .
وتفاضل الأعمال يستلزم تفاضل العامل ؛لأن الإنسان يشرف ،ويفضل بعمله ؛وتفاضل الأعمال يستلزم زيادة الإيمان ؛لأن الإيمان قول ،وعمل ؛فإذا تفاضلت الأعمال تفاضل الإيمان - أعني زيادة الإيمان ،ونقصانه - وهو مذهب أهل السنة ،والجماعة .
5 - ومن فوائد الآية: أن الصدقة سبب لتكفير السيئات ؛لقوله تعالى:{ويكفر عنكم من سيئاتكم}؛ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ،وصلاة الرجل في جوف الليل » ،ثم تلا ( ص ):{تتجافى جنوبهم عن المضاجع ...}{[517]} [ السجدة: 16] .
6 - ومنها: إثبات أفعال الله الاختيارية - كما هو مذهب أهل السنة ،والجماعة ؛لقوله تعالى:{ويكفر عنكم من سيئاتكم}؛فإن تكفير السيئات حاصل بعد العمل الذي يحصل به التكفير .
7 - ومنها: بيان آثار الذنوب ،وأنها تسوء العبد ؛لقوله تعالى:{من سيئاتكم} .
8 - ومنها: إثبات اسم الله عز وجل «الخبير »؛وإثبات ما دل عليه من صفة .
9 - ومنها: تحذير العبد من المخالفة ؛لقوله تعالى:{والله بما تعملون خبير}؛فإن إخباره إيانا بذلك يستلزم أن نخشى من خبرته عز وجل فلا يفقدنا حيث أمرنا ،ولا يرانا حيث نهانا .