قوله تعالى: ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) ( إن ) أداة شرط والجملة الفعلية بعدها جملة الشرط ،وجوابه ( فنعما هي ) ،والفاء مقترنة بالجواب .والمراد بالصدقات هنا ما كان للتطوع أو النفل الا الفرض .ومعلوم أن العبادات النوافل ،إسرارها خير من إشهارها .أما الفرائض فإشهارها أفضل .
قوله: ( فنعما هي ) أي نعم ما هي .نعم فعل مدح جامد وفاعله ضمير مرفوع .ما في نصيب تمييز .والتقدير: نعم الشيء شيئا إبداؤها .فإبداؤها مخصوص بالمدح وهو مرفوع ؛لأنه مبتدأ .وما قبله خبر ،ثم حذف إبداء وأقيم الضمير المتصل المضاف إليه مقامه فصار الضمير المجرور والمتصل ضميرا مرفوعا منفصلا .وهو مرفوع بالابتداء لقيامه مقام المبتدأ{[354]} .والله تعالى يمتدح الصدقة الظاهرة .وكذا الخفية وهي أفضل إن كانت تطوعا .وبذلك فحكم الصدقة الظاهرة أن تكون أفضل من الخفية إن كانت نافلة ،وذلك كيلا يكون الإظهار سببا لتسرب الرياء إلى نفس المعطي ،أما إن كانت مفروضة فإظهارها أفضل من أخفائها ؛لما في ذلك من تشجيع للآخرين .ويستفاد ذلك من ظاهر الآية .( فهو خير لكم ) والضمير يعود على الإخفاء والإيتاء .ويعزز هذا القول ما أخرجه مسلم في صحيحه عن النبي ( ص ) في إظهار الصلاة وعدمه إذْ قال:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ".
قوله: ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) الواو موضع خلاف لدى النحويين .لكن الذي نعتمده ونرجحه تمشيا مع سياق الآية أن الواو للاستئناف .وعلى هذا فالفاعل ضمير يعود على لفظ الجلالة ( الله ) ( من ) ،للتبعيض .أي يكفر الله عنكم بعض سيئاتكم .قوله: ( والله بما تعملون خبير ) الله عليم بأفعال العباد وأقوالهم .وهو سبحانه عليم كذلك بما تكنه صدرهم من إخلاص أو عدمه .وهو سبحانه مجازي العباد تبعا لما تحمله نفوسهم في أطوائها من مكنونات .