ثم أخبر سبحانه عن أحوال المتصدقين لوجهه في صدقاتهم ، وأنه يثيبهم عليها ، إن أبدوها أو كتموها بعد أن تكون خالصة لوجهه:فقال:{ إن تبدوا الصدقات فنعما هي} .
أي فنعم شيء هي ، وهذا مدح لها موصوفة بكونها ظاهرة بادية ، فلا يتوهم مبديها بطلان أثره وثوابه ، فيمنعه ذلك من إخراجها ، وينتظر بها الإخفاء ، فتفوت أو تعترضه الموانع ويحال بينه وبين قلبه ، أو بينه وبين إخراجها ، فلا يؤخر صدقتة العلانية بعد حضور وقتها إلى وقت السر ، وهذه كانت حال الصحابة رضوان الله عليهم .
ثم قال:{ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خير للمنفق من إظهارها وإعلانها .
وتأمل تقييده تعالى الإخفاء بإيتاء الفقراء خاصة ، ولم يقل:وإن تخفوها فهو خير لكم ، فإن من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه كتجهيز جيش ، وبناء قنطرة ، وإجراء نهر ، أو غير ذلك ، وأما إيتاؤها الفقراء ففي إخفائها من الفوائد .
الستر عليه ، وعدم تخجيله بين الناس ، وإقامته مقام الفضيحة ، وأن يرى الناس أن يده هي اليد السفلى ، وأنه لا شيء له فيزهدون في معاملته ومعاوضته .
وهذا قدر زائد من الإحسان إليه بمجرد الصدقة ، مع تضمنه الإخلاص ، وعدم المراءاة وطلبهم المحمدة من الناس ، وكان إخفاؤها للفقير خيرا من إظهارها بين الناس ، ومن هذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم صدقة السر وأثنى على فاعلها ، وأخبر أنه أحد السبعة الذين هم في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ، ولهذا جعله سبحانه خيرا للمنفق ، وأخبر أنه يكفر عنه بذلك الإنفاق من سيئاته ، ولا يخفى عليه سبحانه أعمالكم ولا نياتكم ، فإنه بما تعملون خبير .