)يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) ( البقرة:40 )
التفسير:
قوله تعالى:{يا بني إسرائيل} أي يا أولاد إسرائيل ؛والأصل في"بني "أن تكون للذكور ،لكن إذا كانت لقبيلة ،أو لأمة شملت الذكور ،والإناث ،كقوله تعالى:{يا بني آدم} ،وقوله تعالى:{يا بني إسرائيل}؛و{إسرائيل} لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ؛ومعناه .على ما قيل .عبد الله ؛وبنوه هم اليهود ،والنصارى ،ورسلهم ؛لكن النداء في هذه الآية لليهود والنصارى الموجودين في عهد النبيصلى الله عليه وسلم ؛ووجه الله تعالى النداء لبني إسرائيل ؛لأن السورة مدنية ؛وكان من بني إسرائيل ثلاث قبائل من اليهود في المدينة وهم: بنو قينقاع ،وبنو النضير ،وبنو قريظة ؛سكنوا المدينة ترقباً للنبيصلى الله عليه وسلم الذي علموا أنه سيكون مهاجره المدينة ليؤمنوا به ،ويتبعوه ؛لكن لما جاءهم ما عرفوا كفروا به ..
قوله تعالى:{اذكروا نعمتي} أي اذكروها بقلوبكم ،واذكروها بألسنتكم ،واذكروها بجوارحكم ؛وذلك ؛لأن الشكر يكون في الأمور الثلاثة: في القلب ،واللسان ،والجوارح ..
وقوله تعالى:{نعمتي} مفرد مضاف ،فيعم جميع النعم الدينية ،والدنيوية ؛وقد أنعم الله تعالى على بني إسرائيل بنعم كثيرة ..
قوله تعالى:{التي أنعمت عليكم}: أشار بهذه الجملة إلى أن هذه النعم فضل محض من الله عزّ وجلّ ..
قوله تعالى:{وأوفوا بعهدي} أي ائتوا به وافياً ؛وعهده سبحانه وتعالى أنه عهد إليهم أن يقيموا الصلاة ،ويؤتوا الزكاة ،ويؤمنوا برسله ،كما قال تعالى:{ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً} [ المائدة: 12] .هذا عهد الله ...
قوله تعالى:{أوفِ بعهدكم} أي أعطكم ما عهدت به إليكم وافياً .وهو الجزاء على أعمالهم .المذكور في قوله تعالى:{لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [ المائدة: 12]؛فلو وفوا بعهد الله لوفى الله بعهدهم ..
وقوله تعالى:{أُوفِ} جواب الطلب في قوله تعالى:{أوفوا بعهدي}؛ولهذا جاءت مجزومة بحذف حرف العلة ..
قوله تعالى:{وإياي فارهبون} أي لا ترهبوا إلا إياي ؛و"الرهبة "شدة الخوف ..
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: أن الله تعالى يوجه الخطاب للمخاطب إما لكونه أوعى من غيره ؛وإما لكونه أولى أن يمتثل ؛وهنا وجّهه لبني إسرائيل ؛لأنهم أولى أن يمتثلوا ؛لأن عندهم من العلم برسالة النبيصلى الله عليه وسلم ،وأنها حق ما ليس عند غيرهم ..
. 2ومنها: أن تذكير العبد بنعمة الله عليه أدعى لقبوله الحق ،وأقوم للحجة عليه ؛لقوله تعالى:{اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم}؛فهل هذا من وسائل الدعوة إلى الله ؛بمعنى أننا إذا أردنا أن ندعو شخصاً نذكره بالنعم ؟
فالجواب: نعم ،نذكره بالنعم ؛لأن هذا أدعى لقبول الحق ،وأدعى لكونه يحب الله عزّ وجلّ ؛ومحبة الله تحمل العبد على أن يقوم بطاعته ..
. 3ومن فوائد الآية: عظيم منة الله تعالى في إنعامه على هؤلاء ؛لقوله تعالى:{التي أنعمت عليكم} ..
. 4ومنها: أن من وفى لله بعهده وفى الله له ؛لقوله تعالى:{وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}؛بل إن الله أكرم من عبده ،حيث يجزيه الحسنة بعشر أمثالها ؛وفي الحديث القدسي:"إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ؛وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً ؛وَإِذَا أَتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً "{[75]} ..
. 5ومن فوائد الآية: أن من نكث بعهد الله فإنه يعاقب بحرمانه ما رتب الله تعالى على الوفاء بالعهد ؛وذلك ؛لأن المنطوق في الآية أن من وفى لله وفّى الله له ؛فيكون المفهوم أن من لم يفِ فإنه يعاقب ،ولا يعطى ما وُعِد به ؛وهذا مقتضى عدل الله عزّ وجلّ ..
. 6ومنها: وجوب الوفاء بالنذر ؛لأن الناذر معاهد لله ،كما قال تعالى:{ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} [ التوبة: 75] ..
. 7ومنها: وجوب إخلاص الرهبة لله عزّ وجلّ ؛لقوله تعالى: () وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ )( البقرة: من الآية40 )
. 8ومنها: أن الرهبة عبادة ؛لأن الله تعالى أمر بها ،وأمر بإخلاصها ..
فإن قال قائل: هل ينافي التوحيد أن يخاف الإنسان من سبُع ،أو من عدو ؟
فالجواب: لا ينافي هذا التوحيد ؛ولهذا وقع من الرسل: إبراهيم .عليه الصلاة والسلام .لما جاءه الضيوف ،ولم يأكلوا أوجس منهم خيفة ؛وموسى .عليه الصلاة والسلام .لما ألقى السحرة حبالهم ،وعصيهم أوجس في نفسه خيفة ؛ولأن الخوف الطبيعي مما تقتضيه الطبيعة ؛ولو قلنا لإنسان:"إنك إذا خفت من أحد سوى الله خوفاً طبيعياً لكنت مشركاً "،لكان هذا من تكليف ما لا يطاق ؛لأن خوف الإنسان مما يخاف منه خوفٌ طبيعي غريزي لا يمكنه دفعه ؛كل إنسان يخاف مما يُخشى منه الضرر ..
فإن قال قائل: لو منعه الخوف من واجب عليه هل يُنهى عنه ،أو لا ؟
فالجواب: نعم ،يُنهى عنه ؛لأن الواجب عليه يستطيع أن يقوم به ؛إلا إذا جاء الشرع بالعفو عنه في هذه الحال فلا حرج عليه في هذا الخوف ؛قال الله تعالى:{إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [ آل عمران: 175]؛لكن إذا كان في الشرع رخصة لك أن تخالف ما أمر الله به في هذه الحال فلا بأس ؛ولهذا لو كان إنسان يريد أن يصلي صلاة الفريضة ،وحوله جدار قصير ،ويخشى إن قام أن يتبين للعدو ؛فله أن يصلي قاعداً ؛وهذا لأن الله تعالى عفا عنه: قال الله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم} [ التغابن: 16]؛ولو كان العدو أكثر من مثلَي المسلمين فلا يلزمهم أن يصابروهم ،ويجوز أن يفروا ..