إسرائيل: لقب يقعوب بن إسحاق بن إبراهيم ،ومعنى إسرائيل: الأمير المجاهد ،أو صفّي الله .وهناك من يرى أنه تعني: «عبد ايل » ،أي: عبد الله ،من فعل أسِر العبري ،ورديفِه في العربية .
أما إسحاق ،فمن أصل «يتسحك » العبري ومعناه: يضحك .وقد اعترض الكثير من علماء اللاهوت الأوروبيين على التسمية بصيغة «الفعل » حتى شكّوا في الأصل .
وبنوه: ذريته ،وهم الأسباط الاثنا عشر ،ويسمَّون العبرانيين أيضا لعبورهم نهر الأردن .وهم منتشرون في العالم كله ،حيث اختصوا بالنشاطات السهلة الكبيرة المردود ،وكانوا يقدَّرون قبل الحرب العالمية الثانية بنحو ستة عشر مليوناً ،هلك منهم في الحرب نحو خمسة ملايين كما يزعمون .ويتكلم أكثرهم اللغة الإيديّة ،وهي لغة أقلِّيَةٍ ،أساسُها الألمانية ممتزجة بكلمات عبرية ،والعبرية لغتهم الأولى وهي إحدى اللغات الساميّة .
ويبدأ تاريخهم المعروف بإقامة فريق منهم في «غوش » في الشمال الشرقي من مصر ،منذ عدة قرون قبل المسيح ،أيام رمسيس الثاني ،وكانوا زرّعا ،وقد لاقوا في مصر بعض العنَت إلى أن خرج بهم موسى ،وفي طور سيناء أبلغهم الوصايا العشر فلم يحفظوها ،ثم تاهوا في الصحراء سنين عديدة قبل أن يستولوا على قسمٍ من أرض كنعان استقروا فيه .
وكانوا منقسمين إلى قبائل ،على رأس كل واحدة شيخ قبلي وكاهن يسمّونه القاضي ،هذا هو نظام القضاة .ولقد حاربوا الفلسطينيين القادمين من كريت ،بقيادة شاؤول ،فهزمهم هؤلاء ،ثم جاء داود ووحّدهم وانتصر بهم على أعدائه ،وحقّق لشعبه السلام والرفاهية .
وعقبه سليمان الذي بنى أول هيكل ،ثم انقسم بعده اليهود إلى أسباط الشمال بقيادة يربعام ،وكونّوا مملكة السامرة ،وأسباط الجنوب تحت قيادة ابن سليمان وكونوا مملكة يهوذا .
ودارت الحرب بين المملكتين مدة طويلة ،ثم استولى الآشوريون على المملكتين ،ونفوا كثيرا من اليهود ،ثم استولى عليهما المصريون ،ومن بعدهم البابليون الذين هدموا الهيكل سنة ست وثمانين وخمس مائة قبل الميلاد ،وأخذوا اليهود أسرى إلى بابل .وقد بقوا هناك حتى سمح لهم قورش الفارسي بالعودة ،وأعادوا بناء هيكلهم مرة أخرى سنة ستة عشر وخمس مائة قبل الميلاد .
وفي العصر الهليني كانوا جماعة دينية لا كيان لهم ،واستعادوا استقلالهم السياسي تحت المكابيين .ثم أدى النضال بين الفريسيين والصدوقيين ،وهما من أهم الفرق اليهودية ،إلى أن تدخّل الرومان الذين استولوا على البلاد من البطالسة ،وهدموا أورشليم سنة سبعين للميلاد .
وفي القرون الوسطى وقع على اليهود من قبل الأوروبيين اضطهاد شديد استمر حتى القرن الثامن عشرللميلاد .لقد حُرّم عليهم امتلاك الأرض ،وممارسة كثير من المهن الحرة ،ولم يُترك لهم إلا التجارة الصغيرة وتسليف النقود ،لذا تجمعت شراذمهم في أحياء خاصة بهم .
وقد طرد كثير منهم من فرنسا وانجلترا واسبانيا والبرتغال ،ولجأوا إلى هولندا وبلاد الإسلام حيث عاشوا آمنين .
ثم أخذت الرأسمالية بيدهم في القرن الثامن عشر للميلاد ،وأصبحوا وراء الأعمال الاقتصادية الكبرى .
وقد أدى تحررهم التدريجي إلى ظهور تيارين متعارضين في أوساطهم: أولهما: يدعو إلى رسالة ثقافية ،وعلى رأسه موسى مندلسون ،والثاني: يدعو إلى رسالة سياسية هي الصهيونية ،وعلى رأسه ثيودور هرتزل 1896 .وقد نشط التيار الثاني ،وسعى معتنقوه إلى المطالبة بدولة يهودية في فلسطين ،حتى نجحوا في ذلك بمساعدة الدول الغربية المسيحية ،وما مساعدتها هذه إلا حركة امتداد للحروب الصليبية الغابرة .
هكذا وُجدت الحركة الصهيونية الرامية إلى إقامة دولة يهودية على غرار الدولة القديمة التي قضت عليها روما .وقد سعى زعيمها هرتزل سعياً حثيثاً لجمع المال والرجال وعقد أول مؤتمر لجماعته في مدينة بال بسويسرا ،وفي ذلك المؤتمر قال هرتزل: «الآن خُلقت دولة إسرائيل » ،فقد قرر المؤتمرون تكوين منظمات صهيونية في البلاد التي يقطنها عدد كاف من اليهود ،وقام بأمر الصهيونية من بعده زعماء آخرون ،أمثال: ماكسي نوردو ،وحاييم ،وايزمان .وتعاقبت مؤتمراتها ،وتحمس لها يهود شرق أوروبا ،وأمدها يهود أمريكا بالمال .
وتطلعت الصهيونية إلى فلسطين ،ثم جاء وعد بلفورالوزير الانجليزي سنة 1917 الذي سمح لليهود أن يكون لهم وطن قومي في فلسطين ،فعزز آمال الصهاينة ،من ثم بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين سنة 1923 ،وزادت في عهد الانتداب الانجليزي بالتواطؤ ،وقد شجّعت على ذلك حركات الاضطهاد في أوروبا كالحركة النازية .
وفي سنة 1945 أوقف الانجليز الهجرة ،ولكن بعد أن أصبح عدد اليهود في فلسطين خطرا على العرب .ثم كانت المشكلة الفلسطينية الكبرى التي عُرضت على هيئة الأمم ،فقررت تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في 14 يونيه 1948 .
ولم يقبل العرب هذا التقسيم لأنه هدرٌ لحقهم في وطنهم ،ورغم ذلك أُعلنت الدولة اليهودية في ذلك التاريخ .وقامت الحرب بين أهل فلسطين واليهود حتى دخلت جيوش الدول العربية ،ولم يكن العرب على استعداد للحرب ،أما اليهود فكانوا قد أعدوا كل شيء ،بفضل الدول الغربية .لذا أخذوا أكثر من القسم الذي خصصه لهم قرار التقسيم .
ولا تزال الحالة متوترة والحرب قائمة ،ولن تهدأ حتى يسترد الفلسطينيون حقوقهم كاملة .والله نسأل أن يلهمنا رشدنا ،ويوحّد صفوفنا بقوة من عنده .ولابد من نصرِنا عليهم طال الزمن أو قصر .
بعد أن استعرض سبحانه وتعالى في أوائل هذه السورة الكتابَ الحكيم ،وأنه لا ريب فيه ،بيّن أصناف البشر من مؤمن ،وكافر ،ومنافق .ثم طالب الناس بعبادته .ثم أقام الدليل على أن الكتاب مُنزل من عند الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ،وتحدى المرتابين أن يأتوا بمثله .ثم حاجّ الكافرين .ثم ذكر خلق السماوات والأرض ،وأن جميع ما في الأرض من منافع هي للإنسان .
وهنا خاطب الشعوب والأمم التي ظهرت بينها النبوة ،فبدأ بذِكر اليهود لسببين:
الأول: أنهم أقدم الشعوب التي أُنزلت عليها الكتب السماوية ،والثاني: لأنهم كانوا أشد الناس حقداً على المؤمنين في المدينة المنورة ،كان اليهود في المدينة وشمال الحجاز ،في خَيبر وغيرها ،يكيدون للإسلام ،ويوغرون صدور المشركين على النبي والصحابة ،فذكّرهم الله تعالى بنعمته عليهم ،إذ جعل النبوة فيهم زمناً طويلا ،وطلب إليهم القيام بواجب شكرها ،وكأنه يسألهم أن أوفوا بوعدي الذي أخذتُه علكيم ،وأقررتموه على أنفسكم ،وهو الإيمان والعمل الصالح والتصديق بمن يجيء بعد موسى من الأنبياء- حتى أوفي بوعدي لكم ،وهو حسن الثواب والنعيم المقيم .
وهذه الآية تشير إلى وجوب وفاء كلا المتعاقدين بما عليه من التزام ،فإذا أخلّ أحدهما بالتزامه سقط وجوب الوفاء عن الآخر .