البروج: واحدها بُرج بضم الباء ،ومن معانيه: القصر العالي ،والحصن ،وبروجُ السماء الإثنا عشر ،وهي تضم منازلَ القمر الثمانية والعشرين ،وسيأتي تفصيلها .
أقسَم الله تعالى بالسماءِ البديعة وما فيها من نجوم لِينبِّهَنا إلى ما فيها من دقة الصنع ،وبالغ الحكمة ،لِنعلمَ أن الذي خلَقها أجلُّ وأعظم .
والبروج اثنا عشر وهي: الحمَل ،والثور ،والجوزاء ،والسرطان ،والأسد ،والسُنبلة ،والميزان ،والعقرب ،والدَّلو ،والجَدي ،والحوت ،والقوس .
وتحلُّ الشمس كل شهرٍ في واحد من هذه البروج ،وكلٌّ منها يضمُّ منزلَين وثلُثاً من منازل القمر ،وعددها ثمانية وعشرون منزلا ،ينزل القمر كل يوم في واحد منها ويستتر ليلتين يغيب فيهما .
ومنازل القمر هي: الشرطان ،والبطين ،والثريا ،والدَّبَران ،والهَقْعَة ،والهَنْعة ،والذِراع ،والنثرة ،والطَرْف ،والجَبْهة ،والزّبرة ،والصرفة ،والعَوّاء ،والسِّماك الأعزل ،والغفر ،والزُّبانى ،والإكليل ،والقلب ،والشَّولة ،والنعائم ،والبلدة ،وسعدُ الذابح ،وسعد بَلَعَ ،وسعدُ سُعود ،وسعدُ الأخبية ،والفرغُ الأول ،والفرغُ الثاني ،وبطنُ الحوت .
ونرى في السماء ستة بروج ،والستة الأخرى تكون في سماء نصفِ الأرض المغيَّبة عنّا .
ونرى في المنازل أربعة عشر منزلا ،والبقية في النصف المغيّب عنّا .والبروج الإثنا عشر ،منها ستة في شمال خط الاستواء ،وستة أخرى في جنوبه .
فأما التي في شماله فهي: الحمل ،والثور ،والجوزاء .
وهذه الثلاثة تقطعها الشمس في ثلاثة أشهر هي فصل الربيع ،ثم السرطان ،والأسد ،والسنبلة ،وهذه هي فصل الصيف .
والستة التي في جنوب خط الاستواء هي: الميزان ،والعقرب ،والقوس ،وفيها يكون فصل الخريف .
ثم الجدي ،والدلو ،والحوت ،وفيها يكون فصل الشتاء .هكذا قسّم القدماء البروج والمنازل .
ولقد أقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من نجوم لا تُعدُّ ولا تحصى ،ومن جملتها هذه البروج ،لأننا نراها ونشاهدُها دائما ،ولما فيها من مصالح ومنافع للناس في هذه الحياة .
وقد اهتم العربُ اهتماماً كبيرا بمعرفة هذه النجوم ،ومن قبلِهم اهتمت الأمم التي سبقتهم .وكانوا أحوجَ الناس إلى معرفتها ،ومواقع طلوعها وغروبها ،لأنهم يحتاجون إليها في السفَر برّاً وبحراً ،إذ يهتدون ليلاً بهذه الدراري اللامعة ،فلولاها لضلّت قوافلُهم وهلكت تجارتُهم ومواشيهم ،وهذا ما أشار الله تعالى إليه بقوله:
{وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر} [ الأنعام: 97] .
وقال:{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [ الحجر: 16] .
وقال:{هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} [ يونس: 5] .
ولذلك اهتم العرب بهذه السماء العجيبة ،وعرفوا عدة من الكواكب الثابتة وسمّوها بأسماء مخصوصة ،وذكروا في أشعارهم بعضها ،مثل الفَرْقَدَين والدَّبَران ،والعَيُّوق ،والثريا ،والسِّماكَين ،والشِّعْرَيَيْن ،وغيرهما مما ذكر في كتب الفلك والأدب والتفسير والتاريخ ....
وقد صور العلامة أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي جميع أسماء الكواكب المستعملة عند العرب في كتابه البديع: صور الكواكب الثمانية والأربعين ،والذي حوى نحو مئتين وخمسين كوكبا ....
فالقَسم بهذه السماء البديعة الصنع ،العجيبة التركيب ،وما فيها من نجوم ومجرات ،ومجموعات لا نعلم منها إلا القليل القليل ،قَسَمٌ عظيم ،والذي أقسَمَ أجَلُّ أعظمُ .