ألف لام ميم: وردت هذه الأحرف في فاتح عدد من السور ،وقد قدمنا الكلام عليها في أول سورة البقرة .والرأي المرجح أنها جاءت في أوائل السور لتنبيه المخاطبين إلى ما يلقى بعدها من حديث يستدعي العناية بفهمه .
روى الطبري في تفسيره أن الله عز وجل أخبر عباده أن الألوهية خاصة به دون ما سواه ،وأن العبادة لا تجوز إلا له .وقد افتتح السورة بنفي الألوهية عن غيره احتجاجاً منه على طائفة من النصارى ،قدمِتْ على رسول الله من نجران .وكانوا ستين راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم ،أميرهم العاقب ،واسمه عبد المسيح ،وهو صاحب مشورتهم الذي لا يصُدرون إلا عن رأيه .وكان منهم أبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ،أسقفهم وحبرهم وإمامهم .ولقد قدموا إلى المدينة ،فدخلوا مسجد الرسول حين صلى العصر .وحانت صلاتهم فقاموا يصلّون في مسجد النبي ،فقال لأصحابه دعوهم .فصلّوا إلى المشرق .فقام رؤساؤهم وكلّموا رسول الله في شأن المسيح ،وأنه هو الله ،وابن الله ،وثالث ثلاثة .فقال لهم النبي: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟قالوا بلى .قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ،وأن عيسى عليه الفناء ؟قالوا: بلى ،قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه .قالوا: بلى ،قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا ؟قالوا: لا ،قال: أفلستم تعلمون أن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .قالوا: بلى ،قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما عُلِّم ؟قالوا: لا ،قال: فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ،فهل تعلمون ذلك ؟قالوا: بلى ،قال: ألستم تعملون أن ربنا لا يأكل الطعام ،ولا يشرب الشراب ولا يُحدث الحدث ؟قالوا: بلى ،قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته امرأة كما تحمل المرأة ،ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ،ثم غُذي كما يغذّى الصبي ،ثم كان يَطعم الطعام ،ويشرب الشراب ،ويُحدث الحدث ؟قالوا: بلى ،قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟قال: فعرفوا ثم أبَوا إلا جحودا .فأنزل الله عز وجل{الم الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم} إلى بضع وثمانين آية كما سيأتي .