{فضلاً من الله} يعني أن الله أفضل عليكم فضلاً أي تفضُّلاً منه ،وليس بكسبكم ،ولكنه من الله - عز وجل - ولكي يُعلم أنّ الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته ،وأعلم حيث يجعل الإيمان في الشخص ،فمن علم الله منه حُسن النية ،وحُسن القصد والإخلاص حبَّب إليه الإيمان وزيَّنه في قلبه ،وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان ،ومن لم يعلم الله منه ذلك فإنَّ الله تعالى يقول:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ويقول الله - عز وجل -:{فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} فالذنوب سبب للمخالفة والعصيان ،فهؤلاء الذين تفضَّل الله عليهم وأنعم عليهم نعمة الدين هم الذين وُفقوا للحق ،قال الله - عز وجل -:{فضلاً من الله ونعمةً} يعني إنعاماً منه عليهم ،والنعمة نعمتان: نعمة في الدنيا ،ونعمة في الآخرة ،فنعمة الدنيا متصلة بنعمة الآخرة في حقهم .وأما الكفار فهم منعَّمون في الدنيا ،كما قال الله تبارك وتعالى:{كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين} أي تنعُّم ،فهؤلاء الكفار عليهم نعمة في الدنيا ،لكن في الآخرة عليهم العذاب واللعنة والعياذ بالله ،أما المؤمن فإنه يحصل على النعمتين جميعاً ،على نعمة في الدنيا ،ونعمة في الآخرة ،حتى وإن كان فقيراً أو مريضاً أو عقيماً ،أو لا نسب له ،فإنه في نعمة ،لقول الله تعالى:{من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} .
وخلاصة الكلام في النعمة ،أن هناك نعمتين: نعمة عامة لجميع الخلق ،الكافر والمؤمن ،والفاسق والمطيع ،ونعمة خاصة للمؤمن ،وهذه النعمة الخاصة تتصل بنعمة الدين والدنيا ،وأما الأولى فإنها خاصة بنعمة الدنيا فقط لتقوم على الكفار الحجة{والله عليم حكيم} هذان إسمان من أسماء الله يقرن الله بينهما دائماً: العلم والحكمة ،عليم بكل شيء ،قال الله تعالى:{لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} .وقال تعالى:{إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأَرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأى أرض تموت} .وقال تعالى:{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمهآ إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأَرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} .وقال تعالى:{إن الله لا يخفى عليه شيء في الأَرض ولا في السماء} .فعلم الله تعالى محيط بكل شيء ،والإنسان إذا علم أن الله محيط بكل شيء حتى ما يضمره في قلبه ،فإنه يخاف ويرهب ويهرب من الله إليه - عز وجل - ولا يقول قولاً يغضب الله ،ولا يفعل فعلاً يغضب الله ،ولا يضمر عقيدة تُغضب الله ؛لأنه يعلم أن الله - سبحانه وتعالى - يعلم ذلك ،لا يخفى عليه ،وأما الحكيم فهو ذو الحكمة البالغة ،والحكمة هي أن جميع ما يحكم به جل وعلا موافق ومطابق للمصالح ،ما من شيء يحكم الله به إلا وهو حكمة عظيمة ،قال الله تبارك وتعالى:{حكمة بالغة فما تغنى النذر} .وقال تعالى:{أليس الله بأحكم الحاكمين} .وقال تعالى:{ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} .فمعنى الحكيم ،أي ذو الحكمة البالغة ،وله معنى آخر وهو: ذو الحكم التام ،فإن الله تعالى له الحكم ،كما قال تعالى:{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} .وقال تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأَخر} ولا أحد يحكم بهواه{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأَرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}