{وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} طائفتان مفردها طائفة ،وهي الجماعة من الناس ،وقوله:{اقتتلوا} جمع ،وإنما جمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين ،فلذلك صح أن يعود الضمير على مثنى ؛مراعاة للمعنى ،وإلا لكان مقتضى اللغة أن يقول: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا ) ،ليطابق الضمير مرجعه لكنه عاد إليه بالمعنى .
والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة ،والشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب ،ولكنه رضي في التحريش بينهم،يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً ،فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما ،ولهذا قال:{فأصلحوا بينهما} ،أي اسعوا إلى الصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال ،والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر ؛لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه ،وإلا لما تم الصلح ،ولهذا لما قال الله تعالى:{والصلح خير} وقال:{وأحضرت الأنفس الشح} .لأن كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل ،فإذا أصلحنا بينهما ثم حصل بغي قال الله عز وجل:{فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التى تبغى} يعني لو فرض أنه بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى فهنا لا صلح ،بل نقاتل التي تبغي{حتى تفيء إلى أمر الله} أي ترجع إليه ،وأمر الله يعني دينه وشرعه ،فانظر في أول الأمر الإصلاح ،فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى ،وجب أن نساعد المبغي عليها ،فنقاتل معها{فإن فاءت} فإنه يجب الكف عن قتالهم ،ولا يجوز أن نجهز على جريح ،ولا أن نتبع مدبراً ،ولا أن نسلب مالاً ولا أن نسبي ذرية ،لأن هؤلاء مؤمنون ،{فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} أي: فإن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب ،وجب أن نصلح بينهما بالعدل ،وهذا غير الإصلاح الأول ،الإصلاح الأول لوقف القتال ،وهذا الإصلاح بالتقدير فننظر ماذا تلف على كل طائفة ،ثم نسوي بينهما ،فمثلاً إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال ،والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال ،فحينئذ تعادل الطائفتان ،فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال ،والأخرى أتلفت ما قيمته مليون فالفرق مائتا ألف ريال تحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون ،ولهذا قال:{فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} أي يحب العادلين ،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الله عز وجل ،الذين يعدلون في أهليهم ،وما ولوامن أمور المسلمين ،