ثم ذكر الله تعالى جزاء المؤمنين فقال:{إن المتقين في جنات ونعيم} هذه الجملة خبرية مؤكدة بإن ،والتوكيد أسلوب من أساليب اللغة العربية ،مستعمل عند العرب ،وهذا القرآن نزل بلغة العرب ،وإلا ففي الواقع أن خبر الله - عز وجل - لا يحتاج إلى توكيد ؛لأنه أصدق القول ،فالرب - عز وجل - إذا أخبر بخبر فإنه لا يحتاج إلى أن يؤكد ،لأن خبر الله صدق ،لكن لما كان القرآن العظيم نزل بلسان عربي صار جارياً على ما كان يعرفه العرب في لغتهم ،فهنا أكد الله - عز وجل - هذه الجملة:{إن المتقين في جنات ونعيم} والمتقون هم الذين قاموا بطاعة الله امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه ،هذه هي التقوى ،فالتقوى طاعة الله في امتثال أمره واجتناب نهيه ،فالذي يصلي امتثالاً لأمر الله نقول: هو متق ،والذي يدع الزنا نقول: هو متقٍ بترك الزنا ،وإنما سمي ذلك تقوى لأنه وقاية من عذاب الله ،فإن الإنسان إذا قام بطاعة الله فقد اتخذ وقاية من عذاب الله - عز وجل - هؤلاء المتقون يقول الله - عز وجل -:{في جنات ونعيم} ،وجنات جمع جنة ،وهي الدار التي أعدها الله تعالى للمتقين في الآخرة ،بدليل قول الله تبارك وتعالى:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأَرض أعدت للمتقين} وإذا قلنا: إن الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة ،فهل يمكن أن تكون في الدنيا ؟نقول: أما بالنسبة لدخول الجنة التي هي الجنة فهذا لا يمكن في الدنيا ،أما بالنسبة لكون الإنسان يأتيه من نعيم الجنة ما يأتيه ،فهذا يمكن ،وذلك في القبر إذا سُئل الإنسان عن ربه ،ودينه ،ونبيه ،فأجاب الصواب ،فإنه يفرش له فراش من الجنة ،ويُفتح له باب إلى الجنة ،ويُفسح له في قبره مُدَّ البصر،وجمعت الجنات في الآية لأنها أنواع ،ذكر الله في سورة الرحمن أربعة أنواع{ولمن خاف مقام ربه جنتان} .ثم قال:{ومن دونهما جنتان} .هذه الجنان الأربع تختلف بما جاء في وصفها في سورة الرحمن ،{إن المتقين في جنات ونعيم} أي نعيم البدن ،ونعيم القلب ،فهم في سرور دائم ،وهم في صحة دائمة ،وهم في حياة دائمة ،فجميع أنواع النعيم كاملة لهم ،نسأل الله أن يجعلنا منهم