{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} يعني ليس للإنسان من الثواب إلا ثواب ما سعى وما عمل ،فلا يمكن أن يعطى من ثواب غيره ،يعني لا يمكن أن نأخذ من أجر زيد ونعطيه عمراً ،كما لا يمكن أن نأخذ من سيئات زيد ونضيفها إلى سيئات عمرو ،فهذا لا يمكن إلا ما ورد من اقتصاص المظلوم من الظالم ،فصار الإنسان مرتهن بكسبه:{كل امرئ بما كسب رهين}{كل نفس بما كسبت رهينة} فلا يمكن أن يؤخذ من حسناته إلى غيره ،ولا أن يؤخذ من أوزار غيره فيحمل عليها إلا ما ورد من اقتصاص المظلوم من الظالم .
وقد استدل بعض أهل العلم على أنه لا يمكن أن ينتفع الميت بثواب عمل غيره ،لأن الله قال:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وعلى هذا فلو أنك صليت ركعتين لزيد وهو ميت ،أو صمت يوماً لزيد وهو ميت فإنه لا ينفعه ،لعموم قوله:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فإذا أورد عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه »قالوا: هذا في الواجب ،لأن عليه صيام وليس في التطوع ،وكذلك الحج الواجب لحديث: «أفحج عنه ؟» قال: «نعم »،وإذا أورد عليهم أن رجلاً قال يا رسول الله ،إن أمي افتلتت نفسها ،وأظنها لو بقيت لتصدقت أفأتصدق عنها ؟قال: «نعم »،قالوا: هذا مستثنى بالنص ،وليس لنا أن نرد النص .والعام يجوز تخصيصه بحكم مخالف ،وإذا أورد عليهم قول سعد بن عبادة - رضي الله عنه - في مخارفه أي في نخله الذي يخرف أنه يريد أن يجعله صدقة لأمه فأجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلمقالوا: هذا ورد به النص ،وما ورد به النص فإنه لا يمكن أن يرد ،لأن نصوص الشريعة الإسلامية جاءت بتخصيص العام ،يعني بإخراج بعض أفراد العام ،فيحكم له بحكم مخالف لأحكام العام ،وعلى هذا نقول: لا يمكن أن ينتفع الإنسان بعمل غيره حيًّا كان أو ميتاً إلا ما وردت به السنة ،ولا شك أن هذا القول له وجهة نظر قوية ،ولكن الإمام أحمد - رحمه الله - قال: أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت أو حي من المسلمين فإن ذلك ينفعه ،وقال: إن الذي وقع قضايا أعيان ،بمعنى أن رجلاً حصلت له حادثة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجازها ،فإذا أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام جنس العبادات ولو كانت مالية دل ذلك على جواز جنس جميع العبادات ،وقالوا أيضاً: الصيام ليس عبادة مالية ،ومع ذلك قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه » وإذا أجيز هذا في الواجب ،والواجب متحتم ،فهو كالدين ،والدين إذا قضاه الغير عن المدين أجزى ،وحملوا قوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} على أن المعنى أنه لا يمكن أن يأخذ من عمل غيره ،لكن إذا أهدى إليه غيره من العمل فإنه لا بأس به ،كما أن الإنسان ليس له التصرف في مال غيره ،ولو أعطاه شخص مالاً لتصرف فيه .وقد نقل الجمل في حاشيته على الجلالين ( الفتوحات الإلهية ) في هذا الموضع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز إهداء القرب وأن الميت ينتفع بذلك ،وذكر لهذا أكثر من عشرين وجهاً ،فمن أحب أن يراجعه فليراجعه .وعلى كل حال حتى ولو قلنا بما ذهب إليه الإمام أحمد - رحمه الله - من أي قربة فعلها الإنسان وجعلها لمسلم فإن ما عليه عمل الناس اليوم مخالف لهذا الكلام ،إذ إن الناس اليوم تجدهم يهدون كثيراً من العمل الصالح للأموات ،يعتمر للميت دائماً ويصوم عنه تطوعاً دائماً ،ويضحي عنه دائماً ،ولو ضحى لنفسه كل هذا ليس من عمل السلف ،والسلف يهتدون بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام ،وهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية ،أو علم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له »فأرشد إلى الدعاء للميت ،لكن كونك كل ما سبحت قلت: اللهم اجعل ثوابه لأبي ،لأمي ،وكل ما عملت تقول: اجعل ثوابه إلى أبي إلى أمي ،أو جدي ،أو خالي ،أو عمي فهذا غير صحيح ،وأنت محتاج إلى العمل كما هم محتاجون للعمل ،فلا تجعل عملك لهم ،اجعل لهما ما أرشدك إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء ،أما العمل فخص به نفسك .