( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) أي:كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ; لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ; ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث:من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به "، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث:"إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ". والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى:( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) الآية [ يس:12] . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ".