{وقوم نوح من قبل} يعني وأهلك قوم نوح من قبل بالغرق ،كما قال الله تعالى عن نبيهم نوح{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} وفي قراءة{ففتَّحنا} مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح{أبواب السماء بماء منهمر} يعني نازل بشدة:{وفجرنا الأَرض عيوناً} الأرض كلها كانت عيوناً يعني ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور ،حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة لكنه فار ،فصارت الأرض كلها عيوناً والسماء تمطر ،والتقى الماء ،ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر ،يعني أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص ،فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال ،ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل ،كلما علا الماء صعدت الجبل ،حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع إلى جسدها ،وكان معها صبي ،فحملت الصبي على يديها ترفعه ،لئلا يغرق قبلها ،وجاء في الحديث: «لو رحم الله أحداً لرحم أم الصبي »لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى ،أجارني الله وإياكم من العذاب الأليم ،وقوله:{إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} اختلف المفسرون في مرجع الضمير فقيل: إن الضمير يعود على قوم نوح فقط .
وقيل: إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله - عز وجل - ممن أهلكهم .
فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوح أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد ،ووجه ذلك أنهم حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة ،حيث إن نوحاً - عليه الصلاة والسلام - لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ،يقول الله تبارك وتعالى عنه:{قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذنهم} حتى لا يسمعوا{واستغشوا ثيابهم} تغطوا بها حتى لا يبصروا ،وهذا يدل على شدة كراهتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام ،{واستكبروا استكباراً} أي: استكباراً عظيماً فلم يخضعوا لعبادة الله - عز وجل - ،فكانوا أظلم وأطغى من عاد ومن ثمود .
وعلى القول الثاني: إن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم ،يكون المعنى: أن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد ،فيكون في هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك ،والذي أهلك من سبق قادر على أن يهلك من لحق ،وكلا المعنيين صحيح ،فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش ،وقوم نوح أظلم وأطغى من عاد وثمود ،