{ونحن أقرب إليه منكم} يعني أن الله تعالى أقرب إلى الحلقوم من أهله ،ولكن المراد أقرب بملائكتنا ،ولهذا قال:{ولكن لا تبصرون} والله تعالى يضيف الشيء إلى نفسه إذا قامت به ملائكته ،لأن الملائكة رسله عليهم السلام ،وليس هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه ،ولكنه من باب تفسير الشيء بما يقتضيه السياق ،لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية{ونحن أقرب إليه منكم} أن الأقرب هو الله - عز وجل - فلماذا تحرفونه ؟فنقول: نحن لا نحرفها ،بل فسرناها بما يقتضيه ظاهرها ،لأن الله قال:{ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} وهذا يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره ،وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله تعالى ،وأيضاً فإن القرب مقيد بحال الاحتضار ،والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة لقوله تعالى:{حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ،فإن قيل: كيف يضيف الله الشيء إلى نفسه والمراد الملائكة ؟
قلنا: لا غرابة في ذلك ،فإن الله يضيف الشيء إلى نفسه وهو من فعل الملائكة لأنهم رسله ،ففعلهم فعله ،ألم تر إلى قول الله تبارك وتعالى:{لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانه} والمراد قراءة جبريل عليه السلام لا قراءة الله ،لكنه أضاف فعل جبريل إليه لأنه بأمره ،وهو الذي أرسله به ،إذن{ونحن أقرب إليه منكم} يعني ملائكتنا أقرب إليه منكم ،لأنهم حضروا لقبض الروح ،والله تبارك وتعالى قد حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته ،ففي حياته هناك ملائكة يحفظونه من أمر الله ،وبعد مماته ملائكة يقبضون الروح ويحفظونها لا يفرطون فيها إطلاقاً ،فهم قريبون من الميت ولكننا نحن لا نبصرهم ،لأن الملائكة عالم غيبي لا يُرون