{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} ،يولج أي يُدخل الليل في النهار ،ويولج النهار أي يُدخله في الليل ،وهذا يعني اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر ،أحياناً يبدأ الليل في الزيادة فيدخل على النهار ،فهذا{يولج الليل في النهار} .وأحياناً يبدأ الليل ينقص ويزيد النهار ،فيدخل النهار على الليل ،ولا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى ،لو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم ،والملائكة ما استطاعوا أن يولجوا دقيقة واحدة من الليل في النهار ،ويولج النهار في الليل ،والله - عز وجل - يولج الليل في النهار أو من النهار في الليل ،ثم هذا الإيلاج لا يأتي دفعة واحدة ،ولكنه يأتي تدريجياً شيئاً فشيئاً ،أول ما يبدأ بالزيادة تجده يأخذ قليلاً في اليومين أو الثلاثة دقيقة واحدة ،ثم يبدأ يزداد حتى يكون عند تساوي الليل والنهار يأخذ حوالي دقيقتين في اليوم تدريجيًّا ،أرأيتم لو جاء دفعة واحدة ،كنا مثلاً في أطول يوم في السنة وإذا بنا في اليوم الثاني إلى أقصر يوم في السنة ،فيترتب على ذلك مفاسد عظيمة ؛لأن الناس سينقلبون من حر مزعج إلى برد مؤلم في خلال أربع وعشرين ساعة ،وهذا لا شك أنه مضر بالأبدان والنبات والجو ،ولكنه - عز وجل - يولجه على تنظيم موافق للحكمة تماماً ،ولا أحد يستطيع أن يفعل هذا أبداً مهما بلغ من القوة ،{وهو عليم بذات الصدور} ،أي: صاحبة الصدور يعني القلوب ،والدليل أنها القلوب قول الله تعالى:{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى في الصدور} إذن هو عليم بما في القلب ،وإذا كنت تصدق بذلك فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله ،إن كنت مؤمناً ؟لا يمكن ،فطهِّر قلبك من الرياء والنفاق ،والغل على المسلمين والحقد والبغضاء ،لأن قلبك معلوم عند الله - عز وجل - ،اللهم طهر قلوبنا ،اللهم طهر قلوبنا ،اللهم طهر قلوبنا .فطهر القلب من هذا ،واملأه محبة لله تعالى وتعظيماً ،كما يليق به ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً ،كما يليق به ،ومحبة للمؤمنين ،ومحبة لشريعة الله تعالى ،فلا تضمر في هذا القلب شيئاً يكرهه الله ،فإن فعلت فالله عليم به لا يخفى عليه ،فطهر قلبك حتى يكون نقياً سليماً ،لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم كما قال - عز وجل -:{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} وتغيرات القلب تغيرات سريعة وعجيبة ،ربما ينتقل من كفر إلى إيمان ،أو من إيمان إلى كفر في لحظة ،نسأل الله الثبات ،وتغير القلب يكون على حسب ما يحيط بالإنسان ،وأكثر ما يوجب تغير القلب إلى الفساد حب الدنيا ،فحب الدنيا آفة ،والعجب أننا متعلقون بها ،ونحن نعلم أنها متاع الغرور ،وأن الإنسان إذا سرّ يوماً أسيء يوماً آخر ،كما قال الشاعر:
ويوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص ،لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالدنيا إلا فيما ينفعك في الآخرة ،كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله وفيما يرضي الله ،- عز وجل - فهذا شيء آخر ،وطلب المال للأعمال الصالحة خير ،لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم شر .