ثم قال:{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}{إلا} هذه بمعنى لكن ولا تصح أن تكون استثناء متصلاً ،لأن الذين آمنوا ليسوا من المكذبين في شيء ،بل هم مؤمنون مصدقون ،وهذا هو الاستثناء المنقطع ،أي إذا كان المستثنى ليس من جنس المستنثى منه فهو استثناء منقطع وتقدر{إلا} ب( لكن ) أي لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون .الذين آمنوا بقلوبهم ،واستلزم إيمانهم قيامهم بالعمل الصالح ،هؤلاء هم الذين ليس لهم عذاب ولا ينتظرون العذاب لهم أجر غير ممنون .
فإن قيل: ما هو العمل الصالح ؟
فالجواب: أن العمل الصالح ما جمع شيئين:
الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يكون الحامل على العمل هو الإخلاص لله عز وجل ابتغاء مرضاته ،وابتغاء ثوابه ،وابتغاء النجاة من النار لا يريد الإنسان بعمله شيئاً من الدنيا .
الثاني: أن يكون متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،أي أن يتبع الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عمله فعلاً لما فعل ،وتركاً لما ترك .فما فعله النبي صلى الله عليه وسلّم مع وجود سببه فالسنة فعله إذا وجد سببه .وما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفعله فإن السنة تركه .
{لهم أجر} أي ثواب{غير ممنون} أي غير مقطوع ،بل هو مستمر أبد الابدين ،والايات في تأبيد الجنة كثيرة معلومة في الكتاب والسنة ،فأجر الاخرة لا ينقطع أبداً ،ليس كالدنيا فيه وقت تثمر الأشجار ووقت لا تثمر ،أو وقت تنبت الأرض ووقت لا تنبت ،والجنة الأجر فيها دائم ،{ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المؤمنين العاملين بالصالحات ،المجتنبين للسيئات ،إنه جواد كريم ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين .