{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين 68 والذين جاهدوا فينا 1 لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين 69} [ 68-69] .
في الآية الأولى تساؤل في معرض التنديد والتقرير بأنه ليس من أحد أشد بغيا وانحرافا ممن يفتري على الله الكذب فينسب إليه ما هو براء منه أمرا وعملا وشركا ،أو ممن يكذب بالحق ويعاند فيه حينما يتضح ويقوم عليه البرهان .
وتساؤل آخر في معرض الإنذار والتقرير أيضا بأن جهنم هي مثوى الكافرين الأبدي الذين منهم هؤلاء ،وفي الآية الثانية تنويه بمن جاهد في الله وبشرى بأن الله موفقه وهاديه إلى سبيله ؛لأن الله مع المحسنين دوما .
والآيتان على ما هو المتبادر جاءتا بمثابة تعقيب على حكاية موقف الجدل والحجاج التي تضمنتها الآيات السابقة وبمثابة إنهاء للموقف كما جاءتا في الوقت ذاته خاتمة لآيات السورة وأسلوبها متسق مع كثير من خواتم مواقف الجدل وخواتم السور أيضا .
ويلحظ أن بين جملة{والذين جاهدوا فينا} وبين ما جاء في أول السورة{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} شيء من التساوق والتوضيح حيث يمكن أن يكون من حكمة ذلك ربط أول السورة بآخرها ،وأن يكون في ذلك دلالة على أن فصول السورة نزلت متوالية حتى تمت ،وهذا يلحظ في كثير من السور على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة .وقد يكون في ذلك دليل على مكية الآيات الأولى للسورة ونقض آخر لرواية مدنيتها .والله أعلم .
والآية الأولى تتضمن التقرير بأن المشركين هم الظالمون لأنهم في جدلهم وعنادهم يفترون على الله الكذب ،ومع أنهم يعتقدون بأنه الخالق المدبر يناقضون أنفسهم فيشركون معه غيره .ولعلها في مقامها ومجيئها بعد الآيات التي حكت تحديها للنبي بالإتيان بالمعجزة .أو بالتعجيل بالعذاب قد تضمنت ردا وتسفيها لهم .فالدعوة إلى الله لا تحتاج إلى الإتيان بالمعجزة .والله سبحانه قادر في كل وقت على عذابهم ماداموا يعتقدون أنه هو وحده الضار النافع الخالق الرازق .أما الآية الثانية فقد جاءت للتنويه بموقف المؤمنين في سبيل الله ودينه ما يتحملون من أذى واضطهاد مقابلة للتنديد بموقف المشركين كما هو واضح .
ومع ما يمكن أن يكون للآيتين من خصوصية زمنية ،فإن أسلوبهما القوي المطلق ينطوي على تلقين مستمر المدى ضد كل من يفتري على الله الكذب ويكذب الحق ويكابر فيه ،وفي التنويه بكل من يجاهد في الله وفي وصفهم بالمحسنين الذين يعدهم الله بأن يكون معهم دائما ناصرا ومؤيدا .
والشرح الذي شرحناه به الآية الثانية هو ما تمليه ظروف العهد المكي الذي نزلت فيه غير أنها واسعة المدى والشمول بحيث تتضمن تلقينا قويا مستمرا للمسلم في كل ظرف ومكان بواجب بذل كل جهد في الدفاع عن دين الله والتزام حدوده والتبشير به ونشره لسانا وقلما ومالا وبدنا وفرادى وجماعات وشعوبا وحكومات .