{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ( 15 ) تتجافى 1 جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( 16 ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 )} [ 15-17] .
في الآيات إشارة إلى صفات المؤمنين ومصيرهم: فهم الذين إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا له إعلانا لإيمانهم به وخضوعهم له وحده وسبحوا بحمده على ما أولاهم من نعم وقدسوه ونزّهوه ولم يستكبروا عن عبادته .وهم الذين يهجرون النوم والراحة ويقضون أوقاتهم في عبادة الله وحده مستشعرين بالخوف منه وراجين الثواب منه .وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في سبل البر المتنوعة .فهؤلاء لا يعلم إلا الله ما هيئ لهم من عظيم المكافآت التي فيها قرة أعينهم وطمأنينة قلوبهم جزاء ووفاقا على ما قدموه من صالح الأعمال .
وواضح أن الآيات قد أعقبت الآيات السابقة في صدد المقابلة بين مصائر الكفار والمؤمنين وأن الاتصال بينها وبين سابقاتها .
تعليقات على آية
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا}وما بعدها .
ولعل الآيات جاءت بالأسلوب الذي جاءت به كرد على ما حكته الآيات السابقة من إعلان الكفار يوم القيامة يقينهم بالله واتعاظهم .فالإيمان في الآخرة والندم على ما فات لن يجديا نفعا ،وإنما المجدي هو الإيمان والعمل الصالح في الدنيا ،وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى .
والإمعان في الآيات فحوى وروحا يزيل الوهم الذي قد يرد في صدد الآية الثانية من الآيات السابقة لها كما نبهنا عليه .فكل ما وصف به المؤمنون قد نسب فعله إليهم وصدوره عنهم باختيارهم الذي أودعه الله فيهم .
ومع إطلاق الآيات الذي يجعلها مستمد إلهام وتلقين وتنويه وغبطة مستمر لكل مؤمن في كل وقت ،فإن فيها على ما هو المتبادر صورة قوية للسابقين الأولين من المؤمنين في مكة من قيام في الليل وتقديس وتسبيح دائمين لله عز وجل وخوف منه وأمل فيه وإنفاق لأموالهم في سبيله رضوان الله عليهم .وهو ما تكررت حكايته عنهم في سور عديدة منها السورة السابقة
وجملة{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} تتضمن بشرى عظيمة غير محدودة من شأنها أن تثير في نفوس المؤمنين الصالحين أشد الغبطة والارتياح .
وتحملهم على مضاعفة جهدهم في نيل رضاء الله في العبادة والتسبيح والذكر والإنفاق .وهو مما استهدفته الجملة فيها هو المتبادر .
ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآيات أحاديث نبوية عديدة .منها حديث رواه الطبري بطرقه بصيغ عديدة متقاربة عن معاذ بن جبل قال:( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلك على أبواب الخير ؟الصوم جنة ،والصدقة تكفر الخطيئة ،وقيام العبد في جوف الليل ،وتلا الآية{تتجافى جنوبهم} إلى آخرها ) .وعن أبي هريرة قال:( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة: بلهما أطلعكم عليه اقرأوا إذا شئتم{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 )}{[1639]} .وروى البغوي بطرقه حديث معاذ بن جبل بتفصيل أكثر قال: ( كنت مع رسول الله في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار .قال: لقد سألت عن أمر عظيم ،وإنه ليسير على من يسره الله عليه ،تعبد الله ولا تشرك به شيئا ،وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت .ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير ؟الصوم جنة .والصدقة تطفئ الخطيئة ،وصلاة الرجل في جوف الليل ،ثم تلا{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ{جزاء بما كانوا يعملون} .ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟قلت: بلى يا رسول الله .قال: رأس الأمر الإسلام . وعموده الصلاة .وذروة سنامه الجهاد .ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟قلت: بلى يا نبي الله ،قال: فأخذ بلسانه فقال: اكفف عليك هذا .قال: فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به .قال: ثكلتك أمك يا معاذ ،وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .وروى بطرقه عن أبي أمامة قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات و منهاة عن الإثم ){[1640]} .
وأورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة جاء مند فنادى بصوت يسمع الخلائق ،سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين{تتجافى جنوبهم عن المضاجع} الآية فيقومون ،وهم قليل ) .
وينطوي في الأحاديث{[1641]} تلقينات وترغيبات وتبشيرات نبوية متساوقة مع ما في الآيات من ذلك .