{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بَِايَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} هؤلاء الذين عاشوا القلق الروحي الباحث عن الله من أجل الوصول إلى معرفته ،وانفتحوا على كل لمعات النور التي تقود إليه ،وتحركوا هنا وهناك ،ليبحثوا عن مواقع رضاه في كل كلمةٍ من كلماته ،لم يواجهوا الحياة بغفلة ،ولم يبيعوا المصير بشهوةٍ ،ولم يمروا بها مروراً عابراً كما يفعل الغافلون الذين لا يتوقفون أمام مواقع العظة والعبرة ،بل توقفوا عند كل ظاهرةٍ من ظواهرها ،وكل حدث من أحداثها ،وتطلعوا إلى المستقبل من دروس الحاضر ،وعاشوا الحاضر في أجواء تجربة الماضي ،ما يجعل أسماعهم مفتوحةً لايات الله ،وقلوبهم مشغوفةً بذكره وحياتهم متحركةً في دروبه .
فإذا ذكروا بآيات الله ازدادوا معرفةً بعظمته ،وإيماناً بوحدانيته ،فعاشوا الخشوع في أعماقهم ،والخضوع له في وجدانهم ،والانسحاق أمامه بإرادتهم ومشاعرهم ،فسجدوا بين يديه ،إعلاناً للتسليم المطلق له ،ليسجد له كل عضو في أجسادهم ،وكل خفقة قلب في أفئدتهم ،وكل نبضة روح في أرواحهم ،وعرفوا الله في مواقع حمده ،التي هي مواقع خلقه ونعمه ،فسبحوا بحمده ،ليبقى لهم تسبيح الحمد ،وحمد التسبيح ،انفتاحاً دائماً على آفاق عظمته التي يصغر أمامها كل شيء سواه{وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} فليست الكبرياء من أخلاقهم لتقودهم إلى التمرّد على الحق ،والابتعاد عن أهله ،والتكبر عن الإقرار بحقائقه ،وإلى الإعراض عن الله ،بل هم المتواضعون الذين يتواضعون في أنفسهم من موقع التواضع لله الذي لا ينبغي لأحدٍ من خلقه أن يعيش الشعور بالعظمة الذاتية أمامه ،ويتواضعون لله في قيامهم وركوعهم وسجودهم ،ليشعروادائماًبالحاجة إليه ،والانقياد له ،والإقبال عليه ،فيزيدهم ذلك إيماناً به واستقامةً على خطّه المستقيم ،وإقراراً بأن كل شيء يملكونه في أنفسهم وفي ما حولهم ،فهو من عند الله وحده .
وعندما يقبل الليل ،ويطبق على الكون بظلامه ،ويهدأ الناس في مراقدهم ،ويخلو الجوّ من كل ضجيج ،فإنهم ينتهزون فرصة هذا الهدوء الشامل الذي ينساب في المشاعر وفي الأرواح ،ليقفوا بين يدي الله ،وقفة ابتهال وخشوع ودعاء