{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاواتِ والْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 38 هُو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ولَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ولَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا 39} [ 3839] .
المتبادر أن الآيات جاءت تعقيبية على سابقاتها ؛حيث وجه الخطاب فيها للناس جميعا .فالله يعلم كل سرّ وجهر في السماوات والأرض ويعلم كل خطرة من خطرات النفوس ومكنونات الصدور .وجعل السامعين للقرآن خلائف لمن سبقهم من الأجيال مما هو سنة من سنن الكون في جعل البشر خلائف يخلف بعضهم بعضا .فمن كفر منهم فإثم كفره وتبعته عليه وحسب ،والكفر إنما يؤدي بصاحبه إلى زيادة من مقت الله وزيادة من الخسران .
تعليق على جملة
{فمن كفر فعليه كفره}
والفصل على هذا استمرار للسياق .وهو قوي نافذ الأسلوب كالفصول التي سبقته .وهو من الفصول الصريحة في تقرير كون الإنسان إنما يكفر باختياره ،وإن ما يصيبه من شرّ وخسارة ومقت إنما هو بسبب اختياره الكفر ونتيجة له ،واختيار الكافر الكفر واختيار المؤمن الإيمان إنما يقعان بما أودعه الله في الإنسان من العقل وقوة التمييز بين الكفر والإيمان ،والإقدار على اختيار أحدهما .وبهذا يصبح الجدل الكلامي في أثر إرادة الله تعالى ومشيئته في مفردات أعمال الناس وعدمه في غير محله ،فإرادة الله وحكمته اقتضتا أن يكون الإنسان قادرا على التمييز والاختيار بصورة عامة ،فاختياره للهدى والضلال والخير والشرّ والحقّ والباطل هو من كسبه ونتيجة للحكمة والإرادة الربانية ،وإذا كان هناك آيات يمكن أن تورد على هذا الرأي أو ذاك فالحق هو تأويلها في نطاق ما نقرره ؛لأنه هو المتسق مع روح القرآن عامة ومع حكمة إرسال الرسل وتبشير المؤمنين وإثابتهم ،وإنذار الكافرين والمجرمين وتعذيبهم ؛ولا يصح أن يستنبط من القرآن ما يكون متناقضا .والمتدبر في القرآن يرى أنه ما من آية قد تثير إشكالا وجدلا إلاّ يمكن أن يوجد لها تأويل في آية أخرى يزيل ذلك الإشكال ويجعل مبادئ القرآن وتقريراته متساوقة .