الشيطان: هنا مرادف لإبليس ومفهومه .
نصب: شقاء أو بلاء أو مرض .
{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان}: وهذه حلقة ثالثة من السلسلة .وهي استمرار للسياق والموضوع والهدف على ما ذكرناه سابقا .والخطاب في الآيةموجه للنبي صلى الله عليه وسلم كما وجه إليه في أول السلسلة .وهناك أمر له بالصبر على ما يقول الكفار ،وهنا أمر له بالتذكر بما وقع لأيوب وما كان منه .والخطاب يحتمل أن يتضمن أمر ذكر ذلك للمسلمين أو للسامعين وتذكيرهم به بطبيعة الحال .وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر .
وهذه أول مرة يرد فيها اسم أيوب عليه السلام .وقد تكرر وروده بعد ذلك .ومن أسفار العهد القديم سفر خاص به احتوى قصته مفصلة .وهي متفقة مع الإشارات المقتضبة الواردة عنه في الآيات القرآنية مع الفارق في الأسلوب ،من حيث إنها في السفر قصة وسيرة ،وفي الآيات لم تقصد لذاتها وإنما قصد منها العظة والعبرة والذكرى .
وملخص القصة في السفر أن أيوب كان نبيا وكان صاحب مال وافر وأنعام وأولاد وأهل ،متمتعا برفاه العيش ورغد الحياة .وكان يقوم بواجب الشكر لله على نعمه .وأن حوارا جرى بين الله والشيطان في صدده فقال هذا لله: إن أيوب إنما يشكره على نعمه ،وإنه لن يلبث أن يجحده لو سلبها منه ،فأخذ الله يمتحنه ببلاء بعد بلاء باقتراح من الشيطان إلى أن هلك أولاده ومواشيه وأمواله بكوارث ساحقة متلاحقة ،ثم ابتلي بأمراض في جسمه وقروح في جسده .وحاول الشيطان إغواءه وتغيير قلبه وروحه فأخفق وثبت أيوب في الامتحان وظل متمسكا بالصبر والإنابة والخضوع لله لا يدعو إلا الله للتفريج عنه .وحينئذ شمله الله برحمته ونعمته ثانية فأنبط الله له ماء كان له في شربه والاغتسال به البرء والشفاء ،ورد عليه ما فقده من مال ومواش وولد ،ومنحه المزيد من نعمته ،ولقد كانت امرأته تقوم على خدمته بإخلاص غير أنها كانت أحيانا تظهر التذمر والتألم مما حل بهم من بلاء ومصائب ،فاعتبر أيوب عليه السلام ذلك منها تمردا على الله ،فأقسم أن يجلدها مائة جلدة إن شفاه الله .فأوحى الله إليه بأن يضربها مرة واحدة بحزمة من القش فيها مئة عود فلا يحنث بيمينه بسبب ما كان منها من إخلاص وحسن وفاء هي الأخرى .
والمرجح أن قصة أيوب عليه السلام مما كان متداولا وغير مجهول من السامعين فاكتفت الآيات بالإشارة إليها باقتضاب متسق معها ؛لأن الهدف منها فيها هو الموعظة والتذكير والدعوة إلى التأسي والاعتبار .
ولقد أسهب المفسرون في قصته كثيرا .وفيما ذكروه ما هو متطابق مع قصته في السفر ،ومنها الزائد الذي يمكن أن يكون مما هو متداول على هامش القصة حسب العادة ،ولا يبعد أن يكون مما ورد في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا .وقد اكتفينا بتلخيص القصة ؛لأنها لم ترد في القرآن لذاتها .