( ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ) الآية: تلهم أن معنى الأشرار فيها سقط المتاع أو المستضعفون ،أو الضالون ،وهو ما كان الكفار ينعتون به المؤمنين بالرسالة النبوية الذين كان كثير منهم في مبادئ الدعوة من الفقراء والمستضعفين
والآية احتوت حكاية ما يكون من تساؤل أهل النار عمن كانوا يظنونهم أشرارا أو سقط متاع .ويعنون بهم على ما تلهمه الآيات الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إنهم كانوا يستخدمونهم ويسخرونهم في حاجاتهم أو يتخذونهم هزؤا .وينطوي في هذا تقريع لاذع يسمعه الكفار وخاصة رؤساءهم سلفا .فالذين يسألون عنهم كانوا من المتقين وصاروا إلى أحسن منازل النعيم والتكريم .وكلام الكفار الذي تحكيه الآيتان ينطوي على حكاية ما كان من استكبار الكفار- وخاصة زعماءهم- وتعاظمهم على المؤمنين ؛لأن كثيرا منهم في بدء الأمر كان من الفقراء والمستضعفين ،وقد تكررت حكاية ذلك عنهم وحكاية طلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم إبعادهم عنه حتى يجلسوا إليه ويتحادثوا معه كما جاء في آية سورة الأنعام هذه:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين52 وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين53} وآيات سورة الكهف هذه:{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا28} ومثل آية سورة البقرة هذه:{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون13} ومثل آيات سورة المطففين هذه:{إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون29 وإذا مروا بهم يتغامزون30 وإذا انقلبوا إلى أهلهم فاكهين31 وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون32 وما أرسلوا عليهم حافظين33 فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون34 على الأرائك ينظرون35 هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون36} .
ولعل كلمة الطاغين التي وصف بها الكفار في مطلع الفصل الاستطرادي جاءت لتشير إلى هؤلاء الرؤساء ،وخاصة الذين كانوا بالإضافة إلى كفرهم ومكابرتهم ومناوأتهم يستكبرون على المؤمنين ويهزأون بهم وينالونهم بالأذى والعدوان .
ونقول في صدد الحوار بين أهل النار الذي حكته الآيات: إن الإيمان بما أخبر به القرآن من المشاهد الأخروية واجب مع ملاحظة أنه لا بد لذكره بالأسلوب الذي جاء من حكمته .ومن الحكمة الملموحة من أسلوب الآيات هنا قصد تقريع الكفار وإنذارهم وإثارة الخوف فيهم وحملهم على الارعواء والارتداع .والله تعالى أعلم .
.