تعبير{ونفخت فيه من روحي} في الآيات في صدد خلق آدم قد تكرر في القرآن فاستعمل في سياق خلق الإنسان الأول مطلقا في غير قصة آدم وإبليس كما جاء في آيات سورة السجدة:{الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين7 ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين8 ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون9} واستعمل في سياق ذكر خلق عيسى كما جاء في آية سورة الأنبياء هذه:{والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين91} .وروح التعبير في مختلف المواضع تلهم قصد التدليل على قدرة الله وتقرير دبيب نسمة الحياة في الإنسان الأول وفي رحم أم المسيح بأمر الله وقدرته وإرادته .فالواجب الوقوف عند هذا الحد مع ملاحظة أن استنتاج وتقرير أي صلة حقيقية بين الله والإنسان عن طريق الروح بمفهومها الحرفي لا معنى له ،وليس مما تقتضيه أو تتحمله العبارات والتقريرات القرآنية المتنوعة ،وخاصة ضوابط الكنه الرباني في القرآن التي من أهمها جملة{ليس كمثله شيء} حيث يشمل هذا كل ما يتصل به وصفاته وكينونته مما لا سبيل لإدراكه بعقلنا الإنساني ،ومما لا تصح فيه أي مماثلة .
أما خلود الروح الإنسانية وبعث البشر بعد الموت وخلودهم في النعيم أو العذاب بعد البعث والحساب مما هو مبثوث تقريره في آيات القرآن التي مرت أمثلة منها ،فلا يصح أن يجعل بينه وبين وهم كون الإنسان من روح الله تبعا للوهم الذي تثيره الجملة التي نحن في صددها أي صلة .ولا سيما إنه يرد على ذلك كون نسمة الحياة قد مشترك ومتشابه بين أنواع الحيوان من إنسان وغير إنسان .وكل ما في الأمر أن حكمة الله تعالى قد جعلت الإنسان يمتاز على سائر الأحياء بالعقل المتكامل الذي يكون به مسؤولا عن كسبه ورتب على ذلك حكمة بعثه وحسابه وتخليده في النعيم والعذاب دون سائر الأحياء .والله تعالى أعلم .