( 3 ) يشرون: هنا بمعنى يبيعون على ما قاله المؤولون .وليس من مانع أن تكون في معناها اللغوي المعروف فيكون معنى الجملة ( الذين يشترون الحياة الآخر بالدنيا ) ولقد كان الخوارج يسمون أنفسهم ( الشراة ) على هذا المعنى على الأرجح واقتباسا من الكلمة ومداها على كل حال .
/م71
والآية ( 74 ) بخاصة جديرة بالتنويه والتنبيه من حيث انطوائها على أمر رباني حاسم لكل مسلم بأن يقاتل في سبيل الله دون حساب للعاقبة والنتيجة في الدنيا ،ودون أن يكون قلة المقاتلين وكثرة الأعداء مانعتين لهم من القتال ودون مبالاة بالتثبيط والتبطيء اللذين يحاولهما مرضى القلوب إذا كان القتال هو السبيل الوحيد للدفاع عن الإسلام والمسلمين ولمكافحة الظلم والظالمين .
ولقد أورد الخازن في سياق هذه الآية حديثا ورد في صحيحي البخاري ومسلم بصيغة أوفى وهي ( تضمّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة حين كلم لونه لون دم وريحه مسك ،والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلّفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل .ولفظ البخاري لوددت أني أقتل في سبيل الله فأحيا ثم أقتل فأحيا ثم أقتل فأحيا ثم أقتل ){[608]} حيث ينطوي في الحديث تلقين متساوق مع التلقين القرآني من حث وتشويق وترغيب بأسلوب نافذ .وهناك حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم يحسن أن يورد في هذا المقام جاء فيه ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .ولفظ أبي داود ظاهرين على ما ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال .وفي لفظ مسلم لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ){[609]} حيث ينطوي في الحديث بشرى وتطمين نبويان رائعان في مداهما بأن أمر الله تعالى وهتافه في الآية سوف يظل متحققا مطاعا .