{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} إذا كان المخذِّلون يتربصون بالمجاهدين فإنه يجب أن يكون الجهاد للمخلصين ، وأن يبعدوا عنهم المعوقين ، فإنهم لا يزيدونهم إلا خبالا واضطرابا ، فليتقدم للقتال الذين لا ينظرون إلى مغنم يبتغونه ، ولا مال يريدونه ، إنما يبيعون الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها ، ويطلبون ثمنا هو الآخرة وما فيها من جنات وعيون ، ونعيمها ثابت دائم ، ومعها رضوان الله تعالى . وسبيل الله التي يجب القتال فيها هي سبيل الحق ، وإعلاء دينه ، وجعل كلمة الله هي العليا .
و{ يشرون} هنا معناها يبيعون أنفسهم ، وذلك مثل قوله تعالى:{ ولبئس ما شَرَوا به أنفسهم( 102 )}( البقرة ) وقوله تعالى:{ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله( 207 )}( البقرة ) وقوله تعالى:{ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة( 20 )}( يوسف ) أي باعوه . وإن الذي يبيع نفسه لله ، ليفتدي الحق وأهله ، له جزاؤه وأجره العظيم ، ولذا قال سبحانه:{ ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} .
ومن يتقدم للقتال في سبيل الحق ، طالبا رضاه سبحانه ، فإن قتل واستشهد في سبيله سبحانه ، أو غلب وانتصر بتأييد الله تعالى ، ونال السلطان من الله بالغلب ، فهو في كلتا حاليه سينال جزاء عظيما . و"سوف"هنا لتأكيد نيل الجزاء في المستقبل ، وأكثر استعمالاتها في القرآن هي لتأكيد الوقوع في المقابل ، ولذا لا تدخل على النفي . وقد وصف الجزاء بالعظم للدلالة على مقداره ، ونَكَّر للدلالة على أنه لا يحده تعيين ، ولا يبينه تعريف ، مهما يكن دقيقا .
وإنما ينال ذلك الجزاء من خرج مجاهدا في سبيل الحق ، لا يبتغي غير رضاء الله ، ولا يبغي علوا في الأرض ولا تفاخرا . ولقد قال صلى الله عليه وسلم:"تَضَمَّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا جهادا في سبيلي ، وإيمانا بي ، وتصديقا برسلي ، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة"{[767]} .
اللهم هب أمتك روح الجهاد في سبيل الحق ، وهبنا رحمة من عندك ، إنك أنت الوهاب .