{ ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}
/م71
ولئن نلتم نصرا وغنما بفضل الله تعالى ، لا يفكرون في سروركم ولا يحمدون الله على نصركم ، ولكن يفكرون في أمانيهم ، ويتمنون أن لو كانوا معكم ليفوزوا الفوز العظيم الذي نلتموه ، وهو فوز النصر وفوز الغنيمة ، فوز الاطمئنان وأداء الواجب ، يفكرون فيما ينالهم من خير يرجونه ، أو آلام يتجنبونها ، ولا ينظرون إلى آلامكم وسروركم ، كأن لم يكن بينكم وبينهم أية مودة ، ولو كانت ضئيلة ! ! فتنكير المودة لبيان تصغيرها ، وهذا شأن الأثر الذي يحب نفسه فقط ، ولا يفكر في الجماعة التي يعيش فيها .
وهنا ثلاثة بحوث لفظية ومعنوية:
أولها:التعبير عن هذه الجماعة ، المنافقة أو ضعيفة الإيمان ، بالمفرد إتباعا للفظ ( مَن ) الذي يجوز عود الضمير عليه مفردا . وفي هذا التعبير إشارة إلى معنى الانفراد في الإحساس الذي اختصوا به ، ولم يشاركوا أحدا في إحساسهم بالألم أو السرور .
وثانيها:التعبير بقوله:{ أصابكم فضل} فإن التعبير بإصابة الخير مع أنهم نالوه ، للإشارة إلى أن ذلك إرادة الله تعالى ، فإن أصابكم ما يؤلمكم فبإرادته ، وإن نلتم من خير فبإرادته وبتفضله .
وثالثها:إن قوله تعالى:{ كأن لم تكن بينكم وبينه مودة}جملة معترضة بين القول ومقوله ، للإشارة إلى فقدهم الإحساس الاجتماعي فقدا تاما ، الذي يجعل مودة أيا كان مقدارها بين المتعاشرين أو المتجاورين أو المتجانسين ! لقد فقدوا هذا فقدا تاما ، وهذا شأن كل من ينفصل عن جماعته بالإحساس والأنانية الخسيسة .
وفي قوله تعالى:{ فوزا عظيما} إشارة إلى استعظام الخير الذي ينال المؤمنين ، شأن الحسود غير المحب .
وإن هؤلاء الذين يعيشون مع جماعة المؤمنين ، ولا يحسون بإحساسهم ، لا يخرجون إلى قتال ، وإنما يخرج للقتال أولئك الذين يؤثرون على أنفسهم ، ويقدمونها لله تعالى رجاء ما عنده ، فهؤلاء هم القوة ، وهم العماد في الحروب والشدائد ، ولذا قال سبحانه:{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} .