قوله: ( ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ..) وذلك كشف آخر لحقيقة المنافقين فيما تنطوي عليه أفئدتهم من خواء العقيدة ،وهم يترقبون نتيجة المعركة بين المؤمنين والمشركين .فإذا ما كتب للمسلمين فضل من الله كأن يكون ذلك نصرا أو غنيمة حزن المنافقون وجهدتهم الندامة ؛إذ لم يكونوا مع المسلمين في الجهاد يكون لهم نصيب في الغنيمة .
ومما يثير الانتباه في هذه الآية قوله: ( كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ) ذلك أن المنافق وهو يتمنى أن لو كان مع المسلمين ليغنم نصيبه من الغنائم إنما يزجي بهذا التمني اللئيم رغبتهم اللحاحة في مجرد المال دون غيره .وهم في مثل هذا التمني يقطعون أية وشيجة من وشائج الإيمان والتقوى تربطهم بالمسلمين .وكأن شيئا من مودّة أو صلة لم يكن بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه فهم غرباء في أنفسهم وتصورهم وقناعاتهم عن الناس من حولهم ؛إذ لم يكن ثمة رباط من المودة في العقيدة تشدّهم إلى هذا الدين وأتباعه .
وكذلك قوله سبحانه: ( فأفوز فوزا عظيما ) أفوز منصوب بأن المضمرة بعد الفاء ( السببية ) .يكشف عن طبيعة النفس للمنافقين فهم صنف من البشر الشهوان الذي يركن للشهوة والهوى تمام الارتكان ويغلو في حب المال غلوا يدنو دونه أي حب .فالمال لدى المنافقين هو المعبود المألوه الذي يتخذونه إلها من دون الله سبحانه .وهم إذا ما أدركوا غايتهم المنشودة في المال بلغوا أقصى ما يتمنون وهو عندهم الفوز العظيم .وذلك اهتمام خسيس هابط ينحدر فيه المنافقون ليكونوا في الأذلين .
ومعلوم أن المسلم لذو اهتمام رفيع أكرم يعلو على السفاسف والدنايا ويستعلي على القصود الوضعية التي تتلهف للمال وكفى !فهو إنما يجد نفسه مشدودا بحبل الإيمان والمبدأ ليكون هواه ومبتغاه رضوان الله أو إعلاء كلمة الله .وفي ذلك يقول النبي الكريم ( ص ): "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "وكذلك ما رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أنس أن النبي ( ص ) قال:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "ولكن المنافقين لا يعبأون بغير المال ذلك المطلب الأساسي الأول أو الغاية التي يكد المنافقون من أجلها حتى إذا بلغوها فازوا فوزا عظيما كما يتصورون .فتلكم هي الغاية وذلكم هو المقصود لا أكثر ولا أقل !!