أكّد قوله:{ ولئن أصابكم فضل من الله ليَقولنّ} ،باللام الموطّئة للقسم وبلام جواب القسم وبنون التوكيد ،تنبيهاً على غريب حالته حتّى ينزَّل سامعها منزلة المنكر لوقوع ذلك منه .
والمراد من الفضل الفتح والغنيمة .وهذا المبطّىء يتمنّى أن لو كان مع الجيش ليفوز فوزاً عظيماً ،وهو الفوز بالغنيمة والفوْز بأجر الجهاد ،حيث وقعت السلامة والفوز برضا الرسول ،ولذلك أتبع{ أفوز} بالمصدر والوصف بعظيم .ووجه غريب حاله أنّه أصبح متلهّفاً على ما فاته بنفسه ،وأنّه يودّ أن تجري المقادير على وفق مراده ،فإذا قعَد عن الخروج لا يصيبُ المسلمين فضل من الله .
وجملة{ كَأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة} معترضة بين فعل القول ومَقُولِه .والمودّة الصحبة والمحبّة ؛وإمّا أن يكون إطلاق المودّة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق ،وإمّا أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين .
وشبّه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودّة حقيقية أو صوريّة ،فاقتضى التشبيه أنّه كان بينه وبينهم مودّة من قبل هذا القول .
ووجه هذا التشبيه أنّه لمّا تمنّى أن لو كان معهم وتحسّر على فوات فوزه لو حضر معهم ،كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتّصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروج للجهاد ،فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره ،أي أنّه الذي أضاع على نفسه سببَ الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير ،أي أنّه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سبباً في خروجه معهم ،وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة .
وقرأ الجمهور{ لم يكن} بياء الغيبة وهو طريقة في إسناد الفعل لما لفظه مؤنّث غير حقيقيّ التأنيث ،مثل لفظ{ مودَّة} هنا ،ولا سيما إذا كان فصْل بين الفعل وفاعله .وقرأ ابن كثير ،وحفص ،ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية علامة المضارع المسند إلى المؤنّث اعتباراً بتأنيث لفظ مودّة .