{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخرةِ} وتنطلق الدعوة إلى الجهاد ،في نداءٍ حاسم يدفع المؤمنين إلى القتال في سبيل الله ،من خلال الأجر العظيم الذي ينتظرهم عند الله ،لأن الإيمان الحق يمثلفي عمق معناهأن المؤمن يبيع نفسه لله ولا يرى الدنيا لنفسه ثمناً ،بل يشتريها بالآخرة ،فتكون هي الهدف الذي يستهدفه من كل أعماله ومواقفه ،وهي المقياس للسعادة والشقاء في الجانب الإيجابي والسلبي منها .ولهذا جاءت الآية لتثير هذه الحقيقة الإيمانية في ذواتهم ،ليشعروا بأن القتال في سبيل الله يمثل الوجه الحقيقي لحركة الآخرة في وعي الإنسان وموقفه ؛{وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} فإنّ الله قد أعدّ للمجاهدين الذين يقتلون في المعركة أو الذين ينتصرون على عدوّهم الأجر العظيم .ولم يتعرض القرآن لحالة الهزيمة ،للإيحاء بأن ذلك ليس وارداً في أجواء المؤمنين الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ويقاتلون في سبيل الله ،لأن طبيعة الهدف تمنعهم من ذلك في أية حالة من الحالات .
الأهداف الواقعية للجهاد
وتتابع الآيات حديثها عن الأهداف الواقعية للجهاد بطريقة الإثارة ،فتتوجه إلى المؤمنين بأسلوب يوحي بأن الأوضاع القلقة التي يعيشها المستضعفون تجعلهم لا يجدون لديهم ولياً ولا نصيراً إلا الله ،وذلك من خلال حالة الاستضعاف التي يعيشونها أمام حالة الاستكبار في كل ما يملكه الأعداء من قوىً مادية ومعنوية لا بدّ أن تفرض حلاً حاسماً لتغيير هذا الواقع من خلال الموقف ،فكيف يواجه المؤمنون الذين يحملون لواء الدعوة إلى الله ،لتتساقط كل الأصنام الحجرية والبشرية على الأرض ولتتحطم كل القوى الظالمة الباغية أمام قوة الحق والعدل ؟كيف يواجهون الموقف ،وهم يشاهدون كل هذه المآسي التي تتمثل في المظالم التي يقوم بها المستكبرون ضد المستضعفين ،من جلدهم بالسياط وقتلهم وسجنهم وإخراجهم من ديارهم ،لا لذنب جنوه ،بل لأنهم رفضوا عبادة الأصنام وقالوا ربنا الله بكل صدق وصراحة وإيمان ،ووقفوا في حالة اشتداد القهر والألم والظلم أمام الله ،ليستغيثوا به ويبتهلوا إليه أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها ،وأن يجعل لهم من لدنه ولياً ونصيراً .إن الله يأمرهم بالقتال من أجل تحقيق الأهداف التي انطلق الإسلاموكل رسالات اللهمن أجلها ،وهي إقامة العدل في كل أرض ،ورفع الظلم عن كل إنسان ،وتوفير الأمن والطمأنينة للحياة على أساس حكم الله وكلمته .وتلك هي أهداف القتال في الإسلام ،فإنه لم يدع إلى القتال للسيطرة الاستعلائية التي تريد أن تحكم لتحقق للحاكم شهواته في العلو والاستكبار ،أو لتفسح المجال للإفساد من خلال القوة الغاشمة التي يهيئها القتال للحكّام ،بل دعا إليه من أجل أن يحقق للحياة رسالتها ،وللإنسان إنسانيته ،ولهذا جاءت الآية لتثير في داخل المؤمنين إيمانهم وعاطفتهم ومسؤوليتهم عن الناس والحياة .