{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ( 49 ) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ( 50 )} [ 49 – 50] .
في الآيتين تنويه بشمول ملك الله وقدرته ومشيئته: فكل ما في السموات والأرض ملك له .وبيده خلق كل شيء وعلى الوجه الذي تتعلق به إرادته ومشيئته .ويدخل في ذلك حمل الأمهات ونوعه .فهو الذي يهب لمن يشاء إناثا فقط ولمن يشاء ذكورا فقط .وهو الذي يهب لمن يشاء أصنافا متنوعة من ذكور وإناث معا ،وهو الذي يجعل من يشاء عقيما وكل ذلك وفقا لمقتضيات علمه وحكمته فهو العليم بكل شيء القادر على كل شيء .
وقد يبدو أن الآيتين منقطعتان عن الموضوع والسياق السابقين ،غير أنه تبادر لنا شيء من الصلة بينهما وبين ما جاء في الآية الأخيرة التي احتوت تنديدا بما جبل عليه الإنسان من البطر عند النعمة والكفر واليأس عند المصيبة .ولقد كان العرب يحبون ويشتهون الذكور ويكرهون ولادة البنات ويسخطون على نسائهم حينما يلدن إناثا ويعتبرون ذلك مصيبة على ما تفيده آيات قرآنية عديدة منها سورة النحل هذه:{ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ( 57 ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 58 ) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ( 59 )} .فلعل شيئا مما ذكرته الآية الأخيرة السابقة لهذه قد وقع في ظروف نزول السورة فاحتوت الآيتان ردا على ذلك وتنديدا بالفرحين البطرين ،أو باليائسين الساخطين ،وتقريرا بأن ذلك مشهد من مشاهد نواميس الله في خلقه ونتيجة لتقديره ومشيئته .فلا موجب للبطر ولا لليأس .وهكذا تكون الآيتان في هذه الحالة قد استهدفتا معالجة نفسية لحالة قائمة يتساوى فيه المسلمون وغير المسلمين .والمعالجة مستمرة التلقين والمدى ؛لأنها تعالج حالة مستمرة تثير الفرح والسخط كما هو المتبادر .فكل شيء يجري وفق النواميس التي أودعها الله في خلقه وفي نطاق تقديره ومشيئته وعلى الناس والمسلمين منهم أن يذكروا ذلك فلا يبطروا ولا يسخطوا ويرضوا بتقدير الله ومشيئته اللذين هما خارجان عن نطاق قدرتهم ومشيئتهم .