{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ 35}
لن يتركم: لن ينقصكم أو لن يحرمكم أو لن يفجعكم فيها .
تعليق على الآية
{فلا تنهوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ...}الخ
لم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآية .والمتبادر أنها استمرار للسياق .ومعطوفة بخاصة على الآيات السابقة لها مباشرة والتي وجه الخطاب فيها إلى المسلمين .
وقد اختلفت التأويلات التي يرويها المفسرون عزوا إلى ابن عباس وعلماء التابعين للفقرة الأولى منها{[1913]} فمنهم من قال: إنها تأمر المسلمين بعدم دعوة الكفار إلى الصلح والمسالمة ،وتوجب عليهم عدم التهاون في قتالهم إلى أن يسلموا .ومنهم من قال: إنها تأمر المسلمين بذلك في حال تفوقهم وعلوهم على الكفار ،ولا تمنعهم من مصالحتهم وموادعتهم إذا كانوا متفوقين عليهم ،واستدل على ذلك بصلح النبي لقريش في الحديبية .ومنهم من قال: إنها تأمر بأن لا يضعفوا ويتهاونوا في حرب الكفار ولا يكونوا بادئين في طلب الموادعة والمسالمة .
والذي يتبادر لنا أنها تأمرهم بعدم الضعف والتراخي في الجهاد والجنوح إلى موادعة الكفار المعطلين المشاقين ،أو إهمال شأنهم تفاديا من تضحيات الجهاد ونتائجه .وتطمئنهم بأنهم هم الأعلون المفضلون المنصورون وأن الله معهم .ولن يخذلهم ويضيع أعمالهم .ومن كان هذا شأنه فلا يليق به أن يضعف ويتراخى في مكافحة المعتدين الصادين عن سبيل الله .وهذا التأويل هو المتسق مع روح الآيات القرآنية الجهادية العامة ،ومع روح الآيات وروح آيات السورة معا مع التنبيه على أنه ليس في الفقرة نهي عن الجنوح إلى السلم إذا جنح لها الأعداء من الكفار وكانوا صادقي الرغبة في الانتهاء من موقف العداء والبغي .وآية سورة الأنفال هذه{وإذا جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} ( 61 ) مما يؤيد ذلك .
والآية بهذا الشرح الذي نرجو أن يكون هو الصواب تحتوي تلقينا مستمر المدى ،سواء أفي تهوين شأن الأعداء ،أم في الحث على عدم التهاون معهم والغفلة عنهم أم في حظر بث روح التراخي والضعف في ظروف النضال وواجباته .أم في تلقين كون المسلمين هم الأعلون ؛لأنهم أولياء الله المجاهدون في سبيل دينه ،وأن من واجبهم أن يدركوا وأن يحتفظوا بهذه الكرامة التي كرمهم الله بها وجعلهم أهلا لها بالإضافة إلى ما فيها من وعد الله لهم .بمكافأتهم على أعمالهم مهما كانت النتائج وما يبثه هذا الوعد من ثقة فيهم .