{إن المتقين في جنات وعيون 15 آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين 1 16 كانوا قليلا من الليل ما يهجعون 17 وبالأسحار هم يستغفرون 18 وفي أموالهم حق للسائل والمحروم 2 19} [ 15-19] .
1 محسنين: يفعلون الحسنات والأفعال الحسنة .
2 المحروم: هو المُحَارَفُ الذي يطلب الدنيا ولكنه لا ينالها أو الذي لا يكون له سهم في الغنائم ولا يجري عليه شيء من الفيء ،أو المحدود في رزقه الذي لا يسأل الناس مع ذلك على ما أورده المفسرون .وهذا الوصف يشبه بل يماثل وصف المسكين الذي ورد في الحديث النبوي الذي أوردناه في تعليقنا على المسكين في سياق الآية [ 44] من سورة المدثر .
في الآيات تنويه بأعمال المتقين الصالحين في الدنيا ومصيرهم في الآخرة ،فسينزلون في الجنات والعيون ويستمتعون بها بنعم الله جزاء ما كانوا يفعلونه من الأفعال الحسنة في الدنيا حيث كانوا من جهة يقضون أكثر لياليهم بعبادة الله وطلب مغفرته ورحمته ،ويساعدون من جهة أخرى بأموالهم السائلين والمحرومين الذين يتعففون عن السؤال لأنهم يعرفون أن لهم فيها حقا واجبا .
وواضح أن الآيات جاءت لتقابل الآيات السابقة في صدد المفاضلة بين المؤمنين والكفار في الدنيا والآخرة .
تعليق على وصف المتقين
وما فيه من تلقين ودلالة
ويلفت النظر بخاصة إلى ما في الآية الأخيرة من المعنى القوي في اعتبار مساعدة المحتاجين سواء أكانوا من السائلين أم المتعففين عن السؤال حقا واجبا على أصحاب الأموال وما في ذلك من تلقين جليل .ولقد تكرر هذا المعنى في صور عديدة منها ما مر تفسيره مثل سورة الإسراء التي ورد فيها:{وآتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [ 26] ومنها سورة الروم التي ورد فيها نفس العبارة [ الآية 38] حيث يدل هذا على أن حكمة التنزيل قد استهدفت تقوية هذا المعنى في نفوس المسلمين حتى لا يرى الأغنياء فيما يساعدون به الطبقات المعوزة وما يؤخذ من أموالهم لذلك عملا تبرعيا وتطوعيا لهم في الخيار ولهم فيه حق المنّ والاعتداد .وحتى لا يرى المحتاجون في أنفسهم حرجا ولا غضاضة من أخذ ذلك لأنه حق لهم .ولقد جاء في آية سورة الحديد:{آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [ 7] وجاء في سورة النور{وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [ 33] حيث احتوت الجملتان القرآنيتان اللتان لهما أمثال عديدة تقوية لهذا المعنى بأسلوب آخر فيه تلقين رائع أيضا وهو أن ما في أيدي الناس هو مال الله الذي استخلفهم فيه .كذلك يلفت النظر إلى وصف المتقين حيث ينطوي فيه على ما هو المتبادر وصف للرعيل الأول من المؤمنين في مكة حيث استغرقوا في عبادة الله وبخاصة في الليل ،وفنوا في الله ورسوله وفهموا حكمة الله وتلقيناته فكانوا يبذلون أموالهم للمعوزين ويرون ذلك حقا واجبا عليهم ،وفي هذا صورة رائعة لأثر الإيمان في قلوبهم من دون ريب .