/م14
وروح آيات السورة وأسلوبها يلهمان أن الخطاب في الآية [ 16] لم يوجه لفريق خاص بقصد التثريب والتنديد ،وإنما هو موجه إلى الناس جميعا بقصد تقرير الطبيعة الغالبة فيهم وهي إيثار النفع العاجل على الآجل ،وبقصد تنبيههم إلى ما هو خير وأبقى استهدافا لإقبالهم على الاستجابة للدعوة .
القرآن لا يحظر الاستمتاع بالطيبات
وليس في الآية بطبيعة الحال حظر الاستمتاع بالحياة الدنيا إذا ما استجاب الناس للدعوة وقرنوا العمل للدنيا والآخرة معا .
وفي آيات سورة الأعراف هذه:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( 31 ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 32 ) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( 33 )} تأييد صريح لما نقرره .
وفي سورة المائدة آية نهت المسلمين عن تحريم طيبات ما أحله الله لهم على أنفسهم بدون تجاوز على الحدود المعقولة .وهي هذه:{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين( 87 )} وكان هذا النهي في مناسبة جنوح بعض المسلمين إلى الرهبانية والتقشف والامتناع عن النساء ولذائذ العيش .وحلفهم على ذلك وقد فرض الله لهم تحلة لأيمانهم في آية أخرى بعد هذه الآية وهي:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين لكم آياته لعلكم تشكرون( 89 )} وفي هذا تدعيم آخر كما هو واضح .