{ فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون 14} .
( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، تحداهم بأن ياتوا بمن يحكم في هذا الأمر بأن يأتوا بعشر مفتريات ، ثم يوازنوا بين القرآن وما جاءوا به فإن لم يستجيبوا فقد قامت الحجة ، والاستجابة طلب الإجابة ، ويراد بها التحدي للإجابة ، والإجابة بقوة ، والضمير في قوله تعالى:{ لكم}للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن اتبعه ، وذكر المفسرون أنه قد يكون للنبي وحده مخاطبا بضمير الخطاب للجمع تضخيما وتعظيما لشأنه ، ولكن لم يعهد ذلك في القرآن كثيرا ، وإن كان صلى الله عليه وسلم في المقام الأعلى عند الله فهو صفيه وحبيبه وخاتم النبيين . ويتضح هنا أمرين:
الأمر الأول:كان خطاب الله تعالى لمن مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تحدي النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه تكذيب لمن اتبعه وآمن به ، وللإشعار بالتعاون التام بينه صلى الله عليه وسلم وبين صحبه الأولين الذين هم كالحواريين أنصار عيسى- عليه السلام- إلى الله تعالى ، ولأن عليهم التبليغ بعد أن آمنوا ؛ إذ هو جهاد ، وهم المجاهدون الأولون الدين خوطبوا بالجهاد ابتداء ، وهم حملة الرسالة المحمدية من بعده وحاملوها معه صلى الله عليه وسلم .
وإذا كانوا لم يستجيبوا ويأتوا بعشر سور مثله فقد لزمتهم الحجة ، فوجب عليهم أن يؤمنوا ووجب عليكم معشر المؤمنين أن توثقوا علمكم بأنه من عند الله تعالى ، ولذا قال تعالى مخاطبا المؤمنين:{ فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو} ( الفاء ) واقعة في جواب الشرط ، واعلموا بالبرهان القاطع الحاسم أنه ما أنزل إلا بعلم الله تعالى .
وكلمة{ أنما} أداة حصر تنفي وتثبت ، فهي تنفي أن تكون مفترى وأثبتت أنه أنزل بعلم الله فليس مفترى عليه سبحانه . وهذا يدل على أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم به ليكون معجزته الكبرى ودليله على رسالة ربه ، وإن الله تعالى معلمكم صدقه ولو كان من غيره ما كان معلمه .
الأمر الثاني:هو أن لا إله إلا هو ، لأنه إذا ثبت أن القرآن من عند الله وبعلمه نزل ، فيكون ما اشتمل عليه حقا وصدقا ، ومما اشتمل عليه الوحدانية فلا معبود إلا الله تعالى وهو العزيز الحكيم .
ولقد قال بعد ذلك ، والخطاب للمسلمين{ فهل أنتم مسلمون} ( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي إذا قامت الحجة على أنه من عند الله ، فبايعوا محمدا صلى الله عليه وسلم على الإسلام وأخلصوا وجهوكم لله وأحسنوا ، والاستفهام هنا يتضمن معنى الطلب ، وقال علماء البلاغة:إن أبلغ صيغة تدل على الطلب المؤكد هي الصيغة التي تصدر بالاستفهام مثل:{. . . .فهل أنتم منتهون91}( المائدة ) ، ومثل{ فهل أنتم مسلمون} .
هذا على أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويصح أن يكون الخطاب للمشركين ، ويكون الضمير الذي للغائب في قوله تعالى:{ فإن لم يستجيبوا} يعود على قوله تعالى{ من استطعتم} في الآية السابقة ويكون المعنى أنهم إذا لم يستجيبوا لكم معشر المشركين بألا يحضروا هذه الموازنة أو يحضروها ولا يستجيبوا لرغباتكم بأن يحكموا بأنه ليس مفترى – فاعلموا معشر المشركين أنه قد بطلت دعواكم بأنه صلى الله عليه وسلم قد افتراه وقامت الحجة عليكم ، وأنه نزل بعلم الله ومنه سبحانه وتعالى ، وأنه لا إله إلا هو فانتهوا عن الشرك وبايعوا على الإسلام وكونوا مؤمنين .
والتخريجان محتملان وإني أميل إلى التخريج الأول فهو أقرب . ولأنه لا تقدير فيه ، وإن أولئك الذين أنكروا القرآن بعد قيام الدليل بمعجزتهم عند التحدي إنما يؤمنون بالحسيات فطلبوا أن يكون لمحمد كنز أو يكون معه ملك ، وزين لهم ضلالهم أنه لا يمكن أن يكون الرسول من عند الله فقيرا ، ولا بد أن يكون عظيما{ وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم31} ( الزخرف ) .
ثم بين الله لهم أن الدنيا للبر والفاجر ، والآخرة لا يعطيها إلا لمن أحب ، وأن المتمتع في الدنيا لا يلزم أن يكون متمتعا في الآخرة ، فهما مفترقان وليس ملازمين ، ولكن التلازم في الإيمان والآخرة ، ولذا قال تعالى: