وقد بين الله تعالى معنى الرسالة المحمدية فقال عز من قائل:
{ وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق ( 37 )} .
كذلك ، التشبيه بين ما هو كائن ، وما قدره الله تعالى ، وأحكمه ، أي كهذا الذي تراه من نزول القرآن بلسان عربي مبين قدرناه وأحكمناه حكما عربيا ، ووصف الحكم الإسلامي بأنه عربي ؛ لأن القرآن الذي هو حجته عربي ؛ ولأن الرسول الذي بعث به عربي ؛ ولأنه من سلالة إبراهيم أبي العرب ، ولم يكن من سلالة إسحاق ، بل من سلالة إسماعيل ضئضى العرب .
وليس معنى ذلك أنه مقصور حكمه على العرب فتلك فرية ، إنما معناه في الحدود التي ذكرناها ؛ لأن القرآن شريعته عامة للناس كافة ، لا فرق بين عربي وأعجمي .
ويصح أن يراد من كلمة{ حكما ، قرآنا أي أنزلناه قرآنا عربيا ، وعبر عنه بحكم ؛ لأن ما اشتمل عليه هو الحكم القائم إلى يوم القيامة .
والعربية صف الشريعة وإن كانت عامة في تطبيقها ؛ لأن الشريعة نزلت ، واختار الله تعالى نبيه من بينهم ،{. . .الله أعلم حيث يجعل رسالته . . .( 124 )}( الأنعام ) ؛ وذلك لأن العرب من بين الأمم كانوا أعرف الناس بالله فهم كما ذكرنا في عدة من كتاباتنا كانوا يؤمنون بأن الله خالق السموات والأرض ومن فيهن ، ويؤمنون بأنه واحد في ذاته وصفاته ، ولكنهم كانوا في العبادة يشركون معه الأوثان ، وغيرهم من الأمم التي عاصرت مبدأ الإسلام ما كانت فيها معرفة الله تعالى تلك المعرفة فكانت جديرة بأن تكون أرض الدين الذي يدعو إلى التوحيد المطلق ، إذ كانت فيه بذوره ، فكان عمل محمد صلى الله عليه وسلم تقويم سوقه .
وإن ذلك يقتضي ألا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أهواء المشركين ، ولا أهواء أهل الكتاب ؛ ولذا قال تعالى:{ ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم} الضمير في{ أهواءهم} يعود إلى المشركين وأهل الكتاب ، وقد وصف بأن ما هو عليه هوى الأنفس ، وشهوة العقل الفاسد ، فهو الخاضع للأوهام الذي لا يسيطر عليه عقل مدرك ، ولا جاء من العلم للنبي صلى الله عليه وسلم هو علم التوحيد ، وعلم التكليف ، وكل ما عداه انبعث من الهوى وضلال الفكر ، وفساد الاعتقاد ، واللام في قوله تعالى:{ ولئن اتبعت} هي لام مؤكدة ممهدة للقسم ، وما جاء بعد ذلك جواب القسم لا جواب الشرط ؛ لأنه إذا اجتمع الشرط والقسم يكون جواب القسم أولى وأجدر ، ويكون دالا على جواب الشرط .
فالكلام فيه قسم مطوى ، وهو تأكيد للحكم ، وهو العذاب الذي ينزله الله تعالى ، ولا وقاية منه ، أيا كان الواقى ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هناك احتمال لأن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم أهواءهم فما اتبعها قبل أن يبعثه الله رسولا ، فكيف يتبعها بعد أن شرفه الله تعالى بالرسالة العامة الخالدة ، وإنما الخطاب له ابتداء ، لتقتدي به أمته ، وتتبعه ، أو يكون الخطاب لكل قارئ للقرن مخاطب بأحكامه وبيانه ، وجواب القسم{ ما لك من الله من ولي ولا واق} من الله متعلق بواق ، ومن الثانية لاستغراق النفي ، أي ليس لك واق من عذاب الله تعالى أي واق كان كقوله تعالى:{. . .مالك من الله من ولي ولا نصير ( 120 )} [ البقرة] . اللهم قنا شر غضبك ، واجعلنا في وقاية من معصيتك ، فإنها الوقاية من النار .