الرسل من البشر
كان المشركون يقولون:إنه لا يكون رسولا لله تعالى إلا ملك يجئ إليهم ، ولا يكون بشرا ، وقد رد الله تعالى في كلامهم في أكثر من آية في ثنايا كتابه الكريم:{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )} [ الأنعام] ، وكانوا يقولون:{. . .ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . . .( 7 )} [ الفرقان] .
وفي هذه الآية بين سبحانه وتعالى أنه قد سبق الرسل والأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل ، وأولاد إبراهيم من إسحاق فكل أولئك كانوا رسلا وأنبياء وكانوا بشرا ، فقال تعالى:{ ولقد أرسلا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} ، وما كان لهم مشركين أو أهل كتاب أن ينكروا رسالة رسل كانت لهم أزواج وذرية ، وأبو الأنبياء إبراهيم الذي كان شرف العرب ، ومجدهم الذي يتفاخرون به كان رسولا ، وعم لا يزال عندهم بعض شريعته في الحج ، وهو باني البيت الحرام بأمر ربه ، فقد كان رسولا نبيا ، وكان زوجا كريما ، ومن ذريته إسماعيل وإسحق وقال:{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق . . .( 39 )} [ إبراهيم] ، والزوجية لازمة من لوازم البشرية ، والملائكة لا يتزاوجون ولا يتناكحون ولا يتناسلون .
ولقد أكد سبحانه رسالة هؤلاء الرسل من البشر ، بقد ، وباللام ، وقوله تعالى:{ من قبلك} رسالتك ، فلست بدعا ، وكان حقا عليهم ألا يعترضوا بذلك الاعتراض .
هذا الاعتراض الأول الذي كانوا يعترضون به على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم يحسبون أن الرسول لا يكون إلا ملكا وذلك يناقض ما هو معلوم عندهم من رسالة موسى ، ونبوة إسماعيل ، ورسالة إسحاق ، ونبوة يعقوب عليهم السلام .
الأمر الثاني الذي اعترضوا به المعجزة ، فهم يريدون آية غير القرآن تدل على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يقولون لولا أنزل عليه ، كأنهم لا يعتدون بالقرآن أية معجزة ، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا .
وقد رد الله سبحانه كلامهم بقوله سبحانه:{ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} ، إن ما كان من شأن الرسول أن يأتي بآية يثبت لها رسالته عن الله إلا بإذنه ، فالآية من شأن من أرسله لا من شأنه ، فالله هو الذي يرسل ، وهو الذي يعطى لرسوله المعجزة التي تثبت أنه يتحدث عن الله ، ومثل المعجزة بالنسبة للرسول كمثل الأمارة التي تكون شاهدة بصدق الرسالة عن الله تعالى ، فهو سبحانه وتعالى الذي يختارها .
وقد اختار القرآن دليلا على الرسالة ، ولكل زمن المعجزة التي تناسبه ؛ ولذا قال تعالى:{ لكل أجل كتاب} ، أي لكل زمن أمر قد كتبه الله تعالى في قدره ، فكان لزمن موسى ما كتبه من معجزات ، وكان لزمن عيسى معجزات كتبها سبحانه وقد كانت معجزة عيسى عليه السلام خرقا لنظام الأسباب والمسببات ؛ لأن الزمان كان يناسبه معجزات الأسباب والمسببات ، وكان عيسى ذاته في وجوده معجزة خارقة لنظام الأسباب ، فكذلك كان إبراؤه للأكمه والأبرص ، وإحياؤه للموتى ، وإخراج الموتى من قبورهم ، فكان هذا مناسبا لأجلها وزمنها ، وكان كتاب الله تعالى بها ، والزمن الذي عاش فيه ورسالته الخالدة ، كان يناسبها ، كتاب خالد يتحدى الأجيال جيلا بعد جيل ، وهو أعظم من كل معجزات عيسى ، وموسى وإبراهيم ؛ لأن هذه المعجزات حوادث تنقضى ، وتنتهي بزمانها ، ولا يراها إلا من شاهدها ، ولولا أن القرآن سجلها ما علم بها أحد ، أما القرآن فمعجزته خالدة باقية تتحدى الناس جميعا جيلا بعد جيل ؛ لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خالدة ، فكانت معجزتها خالدة باقية تدل على صدقها أمام كل الناس في كل زمان .