شكر النعمة
يقول تعالى:{. . .لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 )} فاستدامة النعمة بالشكر ؛ لذلك بادر إبراهيم بشكر النعمة التي أنعم الله بها عليه . إن الله تعالى وهب له وهو كبير طاعن ولديه إبراهيم وإسحق ، وكانت أمرا خارقا للعادة ، وعندما بشرت بذلك امرأة إبراهيم:{ قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا . .72 )} [ هود] ، فأعلن بالحمد إبراهيم الذي كان مثلا للإنسان الفطري الكامل:{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء ( 39 )} .
ابتدأ كلامه بالحمد إشعارا بشكر النعمة وتقديرها ، إذا أعطاه ولدا حيث يستحيل ذلك عادة وعلى مجرى الأسباب المعروفة ؛ إذ أم إسحق عجوز وزوجها شيخ هرم ، حتى قيل:إن سنه عند البشارة بإسحق كانت فوق المائة ، وقوله:{ الحمد لله} فيه معنى القصر ، أي أن الحمد لله تعالى وحده ، فهو مانح النعم ومجريها وحده ، وهو الذي وهبه في هذا الكبر العتي ، وقوله تعالى:{ على الكبر} ،{ على} هنا بمعنى مثلها في قول الشاعر:
إني على ما ترين كبرى أعلم من حيث تؤكل الكتف
وقوله:{ على الكبر} تدل على جلال الشعور بالنعمة ، إن ذلك واضح أنه إكرام من الله تعالى بخرق الأسباب ، وإن شكر النعمة بذكر إسماعيل وإسحق فيه معنى جليل ؛ لأنهما ولدا أبى الأنبياء الذين جاءوا بعد إبراهيم عليه السلام ، فكان النبوة انحصرت في ذريته عيه السلام ، كما يبدو من قصص القرآن الكريم الصادق في ذاته .
وقد جاءت العبارة الضارعة التي تؤكد شكره للنعمة ، فقال:{ إن ربي لسميع الدعاء} ، والدعاء هنا هو الضراعة إلى الله تعالى ، وطلبه منه الولد ، فقد طلبه ، ودعا ربه به ، فقد جاء في سورة الصافات أنه قال:{ رب هب لي من الصالحين ( 100 ) فبشرناه بغلام حليم ( 101 ) فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( 102 )} [ الصافات] ، فهذه بشراه بإسماعيل صلى الله عليه وسلم ، وكانت استجابة لدعائه ، وكانت بعد ذلك في نفس السورة بشراه بإسحق فقال سبحانه:{ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( 112 ) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( 113 )} .
والبشارتان مختلفتان:فإسماعيل أكبر من إسحق ، فالذبيح إسماعيل لا إسحق كما جاء في التوراة المحرفة .
ومهما يكن الأمر في هذا فقوله تعالى على لسان إبراهيم:{ إن ربي لسميع الدعاء} فيه ما يدل على أن ذلك كان بدعاء من الخليل واستجابة من الله تعالى ، فقد أكد أن الله سميع الدعاء أولا:بالجملة الاسمية ، وثانيا ب ( إن ) المؤكدة ، وثالثا باللام في قوله:{ لسميع الدعاء} وعبر بقوله:{ إن ربي} فيه أيضا شعور بالشكر الجزيل لربه ؛ لأنه الذي ربه وكونه وقام على شئونه واستجاب دعاءه .