وكان ذلك جزاء ، والإخبار به تبليغا ؛ ولذا قال تعالى:
{ ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب ( 50 ) هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ( 52 )} .
هذا البيان من قوله تعالى:{ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} إلى بيان ذلك العذاب الذي تعم فيه النيران أجسامهم ، إنما هو:
أولا:لبيان العدالة الإلهية .
وثانيا:ليبلغوا بالفعل وجزائه ، والخير والشر ، وما يجب عليهم .
وثالثا:للإنذار لكي يعلم أهل الشر مآلهم .
ورابعا:ليعلموا أن الله هو الواحد القهار ، وأن لاشيء له صفة الألوهية إلا الله تعالى .
وخامسا:ليتذكر أهل الألباب المدركين المؤمنين ، فهو ذكر لهم وإنذار لغيرهم .
أما أولها:فقد ذكره سبحانه بقوله تعالى:{ ليجزي الله كل نفس ما كسبت} وعبر بأن الجزاء هو ما كسبوا من عمل ، فليس في ظاهر اللفظ أنه جزاء العمل ، بل هو العمل ذاته ؛ وذلك للإشارة إلى المساواة التامة بين الجزاء والعمل ، فكأنه هو هو ، وقد أكد الله وقوعه فقال:{ إن الله سريع الحساب} فإن السرعة هنا تأكيد للوقوع ، وأن المقاربة الزمنية بالنسبة لله تعالى مؤكدة ، فهو سبحانه لا تستطال على أفعاله الأزمان .
أما الأمر الثاني:وهو التبليغ ، فقد عبر سبحانه عنه بقوله:{ هذا بلاغ للناس} تبليغ من الله تعالى لكي يكون حسابهم على بينة من أمورهم ، كما قال تعالى:{. . .وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( 24 )} [ فاطر] .
ومن التبليغ ما جاء في الأمر الرابع وهو أن يعلموا{ أنما هو إله واحد} ، هذا قصر ، والضمير{ هو} يعود إلى الله تعالى ، أي أنه لا إله إلا الله ، فالمعبود بحق واحد ، وما عداه باطل في باطل .
والأمر الثالث قبل الرابع ، وإن كنا ذكرناه أولا لاتصاله بالبلاغ في كلامنا وكلام الله أعلى وأحكم وأوثق .
والأمر الرابع:أن هذا الإنذار للكافرين ليعتبروا والعبرة قد تفيدهم .
والأمر الخامس:أن فيه تذكيرا لأولى الألباب ، أي أولى العقول المدركين وهم المؤمنين فيزدادوا بهذا البلاغ إيمانا ، والله أعلم بشرعه .