حدثني يونس ، قال:أخبرنا ابن وهب ، قال:قال ابن زيد ، في قوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) قال:السرابيل:القُمُص. وقوله ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول:من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث:يقال:قِطران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه. وقيل:إن عيسى بن عمر كان يقرأ "مِنْ قِطْرَانٍ"بكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم:
جَــوْنٌ كــأنَّ العَــرَقَ المَنْتُوحـا
لَبَّسُـــه القِطْـــرَانَ والمُسُــوحا (23)
بكسر القاف ، وقال أيضا:
كـــأنَّ قِطْرَانـــا إذَا تَلاهَـــا
تَــرْمي بِـهِ الـرّيحُ إلـى مَجْرَاهـا (24)
بالكسر.
وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد ، قال:ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) يعني:الخَصْخَاص هِناء الإبل.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال:ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال:قطران الإبل.
وقال بعضهم:القطران:النحاس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال:قَطران:نحاس ، قال ابن جريج:قال ابن عباس ( مِنْ قَطِرَانٍ ) نحاس.
حدّثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( مِنْ قَطِرَانٍ ) قال:هي نحاس ، وبهذه القراءة:أعني بفتح القاف وكسر الطاء ، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك:"مِنْ قَطْرٍ آنٍ"بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعتِه ، وتوجيه معنى القَطر إلى أنه النحاس ، ومعنى الآن ، إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة.
وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا عكرمة مولى ابن عباس ، حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال:ثنا القاسم ، قال:ثنا هشيم ، قال:أخبرنا حُصَين عنه.
ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه حدثنا ابن حميد ، قال:ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:قطر ، والآن:الذي قد انتهى حرّه.
حدثنا الحسن بن محمد ، قال:ثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير نحوه.
حدثني المثنى ، قال:ثنا إسحاق ، قال:ثنا هشام ، قال:ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه.
حدثني المثنى ، قال:ثنا إسحاق ، قال:ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال:ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ".
حدثنا الحسن بن محمد ، قال:ثنا عفان ، قال:ثنا المبارك بن فضالة ، قال:سمعت الحسن يقول:كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه:قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها.
حدثني المثنى ، قال:ثنا إسحاق ، قال:ثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال:ثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:القطر:النحاس ، والآن:يقول:قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول:حميمٌ آن.
حدثنا الحسن بن محمد ، قال:ثنا عفان بن مسلم ، قال:ثنا ثابت بن يزيد ، قال:ثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في هذه الآية "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:من نحاس ، قال:آن أنى لهم أن يعذّبوا به.
حدثني المثنى ، قال:ثنا عمرو بن عون ، قال:أخبرنا هشيم ، عن حُصَين ، عن عكرمة ، في قوله "مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:الآني:الذي قد انتهى حرّه.
حدثني المثنى ، قال:ثنا عبد الله بن صالح ، قال:ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله:"مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:هو النحاس المذاب.
حدثنا الحسن بن محمد ، قال:ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة "مِنْ قَطْرٍ آنٍ"يعني:الصِّفر المذاب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال:ثنا محمد بن ثور ، عن قتادة "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:من نحاس.
حدثني المثنى ، قال:ثنا إسحاق ، قال:ثنا هشام ، قال:ثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ "مِنْ قَطْرٍ آنٍ"قال:من صفر قد انتهى حرّه.
وكان الحسن يقرؤها "مِنْ قَطْرٍ آنٍ".
وقوله ( وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) يقول:وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ) يقول:فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا ، كيما يثيب كلّ نفس بما كسبت من خير وشرّ ، فيَجْزِي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ( إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) يقول:إن الله عالم بعمل كلّ عامل ، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كفّ ولا معاناة ، وهو سريع حسابه لأعمالهم ، قد أحاط بها علما ، لا يعزب عنه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره.
---------------------------
الهوامش:
(23) البيت في ( لسان العرب:نتح ) قال:النتح:خروج العرق من الجلد ، والدسم من النحي ، والندي من الثرى . نتح ينتح نتحا ونتوحا . وقال الجوهري:النتح:الرشح . ومناتح العرق:مخارجه من الجلد ، وأنشد:جون ... الخ . والقطران ( بالفتح وبالكسر وكظربان):عصارة الأرز ، وهو الصنوبر ، يطبخ ثم تهنأ به الإبل ، وإنما جعلت سرابيلهم منه ، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود ( عن تاج العروس ). والمسوح:جمع مسح ، بكسر الميم ، وهو الكساء من الشعر:جمعه أمساح ومسوح .
(24) هذا الشاهد كالذي قبله ، على أن القطران ، بكسر القاف .