يقول تعالى ذكره:وتعاين الذين كفروا بالله ، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ ، يعني:يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات.( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول:مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد ، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة ، واحدها:صَفَد ، يقال منه:صفدته في الصَّفَد صَفْدا وصِفادا ، والصفاد:القيد ، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
فَـــآبُوا بالنِّهـــابِ وبالسَّـــبايا
وأُبْنـــا بـــالمُلُوكِ مُصَفَّدِينـــا (19)
ومن جعل الواحد من ذلك صِفادا جمعه:صُفُدا لا أصفادا ، وأما من العطاء ، فإنه يقال منه:أصفدتُهُ إصفادا ، كما قال الأعشى:
تَضَيَّفْتُــهُ يَوْمــا فـأكْرَمَ مَجْلِسِـي
وأصْفَــدَنِي عِنْــدَ الزَّمانَـةِ قـائِدَا (20)
وقد قيل في العطاء أيضا:صَفَدَني صَفْدا ، كما قال النابغة الذبياني:
هَــذَا الثَّنــاءُ فـإنْ تَسْـمَعْ لِقَائِلِـهِ
فَمَـا عَـرَضْتُ أبَيْـتَ اللَّعْـنَ بالصَّفَدِ (21)
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى ، قال:ثني عبد الله بن صالح ، قال:ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) يقول:في وثاق.
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال:ثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال:الأصفاد:السلاسل
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال:ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال:مقرّنين في القيود والأغلال.
حدثنا القاسم ، قال:ثنا الحسين ، قال:ثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، قال:سمعت الأعمش ، يقول:الصفد:القيد.
حدثني يونس ، قال:أخبرنا ابن وهب ، قال:قال ابن زيد ، في قوله ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) قال:صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفاد:الأغلال.
وقوله ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) يقول:قمصهم التي يلبسونها ، واحدها:سربال ، كما قال امرؤ القيس:
لَعُوبٌ تُنَسِّيني إذَا قُمْتُ سرْبالي (22)
------------------------
الهوامش:
(19) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته . وآبوا:رجعوا . والنهاب:جمع نهب . والمصفدون:المغللون بالأصفاد ، الواحد:صفد ، وهو الغل . يقول:ظفرنا بهم ، فلم نلتفت إلى أسلابهم ، ولا أموالهم ، وعمدنا إلى ملوكهم ، فصفدناهم في الحديد . وفي ( اللسان:صفه ):الصفاد:حبل يوثق به أو غل . وهو الصفد ، والصفد ( بتسكين الفاء وتحريكها ) . والجمع:الأصفاد . قال ابن سيده:لا نعمله كسر على غير ذلك . وفي التنزيل "مقرنين في الأصفاد ". قيل:هي الأغلال . وقيل:القيود . واحدها صفد . وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني ، وشرح القصائد العشر للتبريزي .
(20) البيت للأعشى ( اللسان:صفد ، وديوان الأعشى طبع القاهرة ص 65 ) من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي ، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي . وتضيفته:نزلت عنده ضيفا ، وأصفدني:أعطاني ، من الصفد بمعنى العطية هنا . يقول:لما زرت هوذة في "جو "أكرم وفادتي عليه ، وقربني من مجلسه ، وأعطاني قائدا يقودني لما رأى من آثار الضعف والكلال وسوء البصر ، ورواية الديوان:"على "في موضع "عند ".
(21) هذا البيت للنابغة الذيباني ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 155 ) . والصفد هنا:بمعنى العطاء كالذي قبله . وفي الشطر الثاني منه:فلم أعرض ، في مكان:فما عرضت .
(22) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر من لاميته المطولة ( 54 بيتا ) ، وصدره "ومثلك بيضاء العوارض طفلة "( انظر مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 37 ) . وهذا البيت ساقط من نسخة الديوان بشرح الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي ، وثابت في نسخة الأعلم الشنتمري ، وفيما نقله البغدادي في خزانة الأدب الكبرى من أبيات القصيدة ( ج 1:197 ) أورده بعد قول امرئ القيس:"وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي ". والواو في البيت:واو رب . والخطاب لبسباسة . والعارض والعارضة صفحة الخد وصفحة العنق ، وجانب الوجه ، وما يستقبلك من الشيء ، ومن الوجه ما يبدو عن الضحك ، والطفلة ( بالفتح ):الناعمة البدن . واللعوب:الحسنة الدل . والسربال:القميص ، يريد:تذهب بفؤادي ، حتى أنسى قميصي ، والشاهد فيه عند الطبري ، أن السربال:هو القميص عند العرب .