وإن هذه الأخلاق من كفر وضلال وتعد على أهل الحق إذا سلكت في قلوب أصحابها ، لا ينفضون عنها ولو تطاول عليهم الأمد ؛ ولذا قال تعالى:{ لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ( 13 )} الضمير في{ به} يعود إلى الذكر ، وهو الحق الذي يوجب الإيمان ، وهذه الجملة مقررة لما قبلها ؛ لأن إذا كان الباطل قد دخل في قلوبهم دخول الخيط في المخيط ، فإنه لا يمكن أن يجتمع والحق في قلب واحد ، فلا يمكن أن يؤمنوا بالذكر الحكيم ،{ قد خلت} ، أي مضت سنة الأولين أي طريقتهم .
وفي ذكر هذه الجملة السامية{ وقد خلت سنة الأولين} إشارة إلى أمرين:إلى استمكان الكفر والضلال في نفوسهم ، وقراره فيها ، وأنه لا رجاء لمن كان على هذه الحال ، والثاني إلى مآل أولئك الماضين من هلاك وعصف بهم ، وإذا كان ذلك ما ناسب الماضين ، فما يناسب الحاضرين هو سلم مخزية بعد حروب مجلية مع الحق .
وإذا كان ذلك ما كتبه الله تعالى عليهم كما كتب على من سبقوهم ، فلا تظن أيها الرسول الأمين أن كفرهم لنقص في المعجزة التي جئتهم بها ، إنما ذلك لأنهم صدوا عن الحق ، فلو جئت بالمعجزات التي لا يمارى فيها العقلاء لماروا فيها ، وادعوا ضلال أبصارهم .