ثم قال سبحانه:{ إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ( 18 )} .
الاستثناء هنا يصح أن يكون منقطعا عند بعض المفسرين ، ويكون المعنى لكن من استرق السمع ، وعلم بعض الأمور التي لا يصح إعلانها من أسرار هذا الكون السامي ، ولا يكون ذلك إلا بتقدير الله تعالى .
وعندي أن الاستثناء متصل ؛ لأن ( الفاء ) في قوله:{ فأتبعه شهاب مبين} وهي تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها تبعد أن يكون الاستثناء منقطعا ، وإذا كان متصلا يكون المعنى حفظه سبحانه من كل شيطان مرجوم أن يتطاول فيبعث ، وأقصى ما يصل إليه أن يسترق السمع ، أي أن يأخذ معلومات عن طريق الخفية كمن يسترق السمع ، تصديق لقوله تعالى:{ إنهم عن السمع لمعزولون ( 212 )} [ الشعراء] .
وإن هذا الذي يكون كمن يسترق السمع ، ويتخذ ذلك طريقا لمعرفة ما لم يعرف ، لا ينجو ، بل ينزل الله تعالى عليه ما يحرقه ، قبل أن يكشف علم ما نهى عنه ؛ ولذا قال تعالى:{ فأتبعه شهاب مبين} والشهاب كوكب مضئ ، كما قال تعالى:{. . .فأتبعه شهاب ثاقب ( 10 )} [ الصافات] فهو نار مشتعلة أو شعلة مضيئة ، ويقول ابن عباس:تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع ، فينفرد منها ، فيرمى بالشهاب .
وإن هذا لتصوير حكيم لحفظ الله السماوات من أن يكون في السموات مفسدون ، كما في الأرض من يفسد فيها ، وهم الشياطين خارجون عن الطاعة كشياطين الإنس والجن في الأرض .
وقد فهم بعض الناس من هذه الآية أنها تشير إلى علم النجوم ، وعلم حركاتها ، وتعرف أسرار الحظ من هذه الحركات ، ولكنا نقول:إن الآية الكريمة بمنأى عن هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالكون ظاهره وباطنه .