وقد أشار سبحانه وتعالى إلى بدائع خلقه في السموات وصيانتها من كل عابث ، وحفظها إلى ما شاء الله تعالى أن تبقى ، وبعد ذلك أشار إلى نعمائه على أهل الأرض فيما أنعم فقال تعالت كلماته:
{ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( 19 )} .
{ مددناها} بسطناها ليسهل الانتقال فيها ، والإقامة في أجزائها ، وتبدو مبسوطة سهلة مع أن تعاقب الليل والنهار يدلان على أنها تدور حول الشمس ، وأنها كرة سابحة في الفضاء بقدر معلوم ، كما قال سبحانه وتعالى:{ والأرض بعد ذلك دحاها ( 30 )} [ النازعات] ،{ والأرض فرشناها فنعم الماهدون ( 48 )} [ الذاريات] ، فكان خلق الأرض ، ومدها ودحوها نعما مكنت الإنسان من الانتفاع بها ، ويقول سبحانه وتعالى:{ وألقينا فيها رواسي} . رواسي جمع راس أي ثابت ، يثبت الأرض بثقله ، كما قال تعالى في آية أخرى:{ والجبال أوتادا ( 7 )} [ النبأ] .
وإنه من تلاقى السماء الدنيا بالأرض يكون المطر الذي ينبت به كل شيء ، وكما قال تعالى:{. . .وجعلنا من الماء كل شيء حي . . . ( 30 )} [ الأنبياء] ، فمن هذا المطر يكون الغيث الذي ينبت به النبات ؛ ولذا قال تعالى:{ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} وموزون معناها مناسب مقدر بقدره الذي يكفى أهلها ، ويجعل إقامتهم فيها طيبة راضية ، وقد وزنها خالق كل شيء ولتكون للأحياء عليها غير منقوصة ، بل كاملة تجعلهم في بحبوحة وسعادة كاملة لو أحسنوا فيما بينهم ، ولعل في ذلك ردا على الذين يدعون إلى نقص سكان الأرض بدعوى أن الأرض ضاقت بمن فيها ، وكما قال الذين يريدون أكل الشعوب الضعيفة وإبادتها ، أو أن تكون طعما لهم أن الإنسان تكاثر نسله ، فليحد ذلك التكاثر ، إن بكر الأرض والماء اللذان لم يستغلا أكثر وفرا وأدر خيرا ، إن خالق الإنسان هو الذي جعل النبات بقدر موزون ، وهو الخلاق العليم .