ولقد ذكر الله بعض شر ما قالوا فقال:{ وقالوا يا أيها الذين نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( 6 )} .
هذه صورة من طغيانهم ، طغت الأوثان على تفكيرهم ، حتى حسبوا من يدعو إلى التوحيد مجنونا ، وأكدوا جنونه وقالوا مخاطبين النبي صلى الله عليه وسلم:{ يا أيها الذي نزل عليه الذكر} النداء للبعيد ، لكبر الدعوى التي يدعونها ، وهي جنون النبي صلى الله عليه وسلم ، و{ الذكر} ، أي المذكر لهم ببطلان عبادة الأوثان ، وأنها أحجار لا تضر ولا تنفع ، وتسميته بالذكر من الله تعالى لا منهم ؛ لأنهم لو علموه ذكرا ما أنكروه ، والجملة كيفما كان أمرهم ساقوها متهكمين لاذعين بالقول ، كما حكى الله تعالى عن الملأ من آل فرعون:{ قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( 27 )} [ الشعراء] ، فالكلام سوق لبيان تهكمهم على رسولهم ، وإن كان فيه إشارة إلى التنديد بهم ، وهو أنهم بدل أن يعتبروا ويتذكروا يتهكمون مع أنه ذكر لهم .
وقد أكدوا دعواهم بجنونه فقالوا:{ إنك لمجنون} خاطبوا النبي صلى الله عليه و سلم بذلك الخطاب الذي يبهت كل عاقل مدرك ، أكدوه ب ( إن ) التي لتوكيد القول ، وبالجملة الاسمية ، وباللام ، وإن هذا يدل على شدة تمسكهم بعبادة الأوثان حتى عدوا كل من يدعو إلى تركها مجنونا ، ويدل على شدة طغيانهم وأنهم لا يذعنون للحق ، وإن دلت عليه دلالة واضحة بينة ، ويدل ثالثا:على إمعانهم في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين