وقد بين سبحانه وتعالى بعد ذلك لجاجتهم في الباطل وسببه ، فقال عز من قائل:
{ إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ( 104 )} .
آيات الله تعالى أقسام:
القسم الأول – الآيات الكونية وهي الآيات الدالة على أنه وحده الخالق لكل شيء ، وفي كل آية دلالة على الوحدانية فالسماء وبروجها ، والقمر ونوره ، والشمس وضياؤها ، والليل والنهار ، والنعم وما فيه خلق وتكوين ، كل هذه آيات الله الكبرى الدالة على أنه فعال لما يريد مختار .
والقسم الثاني – المعجزات التي تقترن بدعوى النبوة ويتحدى بها النبي من يكذبونه أن يأتوا بمثلها كعصا موسى ، وبياض يده من غير سوء في تسع آيات أجراها الله تعالى على يديه لقوم فرعون ، فلم يؤمنوا إيمانا مستقرا ، وإن كانوا في ضعفهم يقولون ادع لنا ربك ، فيدعو الله تعالى فيرفع عنهم المقت ، ويذهب عنهم السوء ، ولكن ما إن يرفعه عنهم ويؤمنهم حتى يعودوا إلى كفرهم المقيت .
والقسم الثالث – الآيات القرآنية ، والإيمان بها فرع الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الإيمان بها الإيمان بالقرآن ، والإيمان بالآيات الذي نفاه القرآن عنهم ، وترتب على نفيه نفي الإيمان والهداية هو الإيمان بالآيات الكونية ، والإيمان بالمعجزة الكبرى معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي المعجزة التي تحداهم أن يأتوا بمثلها لعجزوا .
وإنما كان عدم الإيمان بآيات الله مؤديا إلى ألا يهديهم ؛ لأن الهداية إنما تكون لمن يفكرون في آيات الله ونعمه ، ومن لا يفكر لا يهتدى فلا يهديه ، ولأن المعجزة الكبرى ضل من لا يؤمن بها ، وهي واضحة بينة ، وهي وحدها تدل على أن من يبلغها عن الله فلا يهديه الله إلى الحق ؛ لأنه ضل سواء السبيل ، ولم يبق إلا أن يسير في طريق الضلال إلى نهايته ، ويكون له العذاب الأليم يوم القيامة ، والأليم:المؤلم .
ولقد قالوا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم{ إنما أنت مفتر} ، وهو المعروف بينهم قبل البعثة بالصدق والأمانة ، حتى إن اسم الأمين إذا أطلق لا ينصرف إلا إليه ، وكان لا ينادى إلا به ، حتى بعث رسولا ، ولما سأل هرقل أبا سفيان عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم:"هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، قال:لا . قال هرقل:ما كان ليدع الكذب على الناس ، ويكذب على الله"{[1397]} .