فلما قال المشركون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه مفتر رد الله قولهم بقوله تعالت كلماته:
{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ( 105 )} .
حيثما كان إنكار الحقائق الثابتة كانت مظنة الكذب ، فمن لا يؤمن بالآيات الثابتة لا يؤمن بالله ولا يكون صادقا أبدا ؛ لأن الكذب مباهتة الواقع الثابت ، ولا يسكن الكذب إلا حيث يكون إنكار بدهيات الأمور ؛ ولذلك كان الكذوب بهتانا يبهت الناس بغير الواقع ، ويكابر وتشتد مكابرته للواقع الثابت بالفطرة .
ولهذا يقول تعالى:{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} ، و ( إنما ) أداة من أدوات القصر ، فهي تتضمن نفيا وإثباتا ، أي لا يفترى الكذب إلا الذين لا يؤمنون بآيات الله تعالى في الكون ومعجزات النبيين الذين يثبتون بها إرسال الله تعالى لهم ، وهي واضحة لائحة يراها المبصر ببصره ، والمدرك بقلبه ، فحيث كان الإنكار لما هو ثابت بالبرهان يكون الكذب ؛ لأن الكذب إخفاء للحقائق ، وإنكار الآيات إنكار للحقائق فهما ينسابان من نبع واحد ، ويسيران في خط واحد .
وقد أكد كذب المشركين الذين لا يؤمنون بآيات الله بقوله:{ وأولئك هم الكاذبون} بالإشارة إلى ما هم عليه من إنكار للبدهيات التي تومئ إليها الفطرة ، والجملة تفيد القصر بأنه مقصور عليهم ، ولا يمكن أن يكون الكذب في المؤمنين ، فهذا نفي للافتراء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتأكيد الكذب عليهم ، وإفادتها قصر الكذب عليهم بتعريف الطرفين وبضمير الفصل ، وكذبهم أكده سبحانه بالجملة الاسمية ، وبضمير الفصل ، وبوصفهم الكذب ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:"إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند اله كذابا"{[1398]} .