/م101
وفي آخر الآية يقول: إنّ الأشخاص الذين يتّهمون أولياء اللّه هم الكفار: ( إِنّما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه وأُولئك هم الكاذبون ) ،فهم الكاذبون وليس أنت يا محّمد ؛لأنهم مع ما جاءهم من آيات بينات وأدلة قاطعة واضحة ،ولكنّهم يستمرون في إِطلاق الافتراءات والأكاذيب .
فأيّة أكاذيب أكبر من تلك التي تطلق على رجال الحق لتحول بينهم وبين المتعطشين للحقائق !
بحوث
1قبح الكذب في المنظور الإِسلامي:
الآية الأخيرة بحثت مسألة قبح الكذب بشكل عنيف ،وقد جعلت الكاذبين بدرجة الكافرين والمنكرين للآيات الإِلهية .
ومع أنّ موضوع الآية هو الكذب والافتراء على اللّه والنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،إِلاّ أنّ الآية تناولت قبح الكذب بصورة إِجمالية .
ولأهمية هذا الموضوع فقد أعطت التعاليم الإِسلامية إِفاضات خاصّة لمسألة الصدق والنهي عن الكذب ،وإِليكم نماذج مختصرة ومفهرسة لجوانب الموضوع:
الصدق والأمانة من علائم الإيمان وكمال الإِنسان ،حتى أنّ دلالتهما على الإِيمان أرقى من دلالة الصلاة .
وروي عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) أنّه قال: «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ،فإِنّ ذلك شيء قد اعتاده ولو تركه استوحش لذلك ،ولكنْ انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته .»{[2140]} .
فذكر الصدق مع الأمانة لاشتراكهما في جذر واحد ،وما الصدق إِلاّ الأمانة في الحديث ،وما الأمانة إِلاّ الصدق في العمل .
2الكذب منشأ جميع الذنوب:
وقد اعتبرت الأحاديث الشريفة الكذب مفتاح الذنوب ..
فعن علي( عليه السلام ) أنّه قال: «الصدق يهدي إلى البِر ،والبر يهدي إلى الجنّة »{[2141]} .
وعن الباقر( عليه السلام ) أنّه قال: «إِنّ اللّه عزَّ وجلّ جعل للبشر أقفالا ،وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ،والكذب شر من الشراب »{[2142]} .
وعن الإمام العسكري( عليه السلام ) أنّه قال: «جعلت الخبائث كلها في بيت ،وجعل مفتاحها الكذب »{[2143]} .
فالعلاقة بين الكذب وبقية الذنوب تتلخص في كون الكاذب لا يتمكن من الصدق ؛لأنّه سيكون موجباً لفضحه ،فتراه يتوسَّل بالكذب عادةً لتغطية آثار ذنوبه .
وبعبارة أُخرى: إِنّ الكذب يطلق العنان للإِنسان للوقوع في الذنوب ،والصدق يحدّه .
وقد جسد النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه الحقيقة بكل وضوح عندما جاءه رجل وقال له: يا رسول اللّه ،إِنّي لا أُصلي وأرتكب القبائح وأكذب ،فأيّها أترك أوّلاً ؟.
فقال له رسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ): «الكذب » ،فتعهد الرجل للنّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ لا يكذب أبداً .
فلمّا خرج عرضت له نيّة منكر فقال في نفسه: إِنْ سألني رسول اللّه غداً عن أمري ،ماذا أقول له !فإِنْ أنكرت كان كاذباً ،وإِنْ صدقت جرى عليّ الحد .وهكذا ترك الكذب في جميع أفعاله القبيحة حتى تورَّع عنها جميعاً .
ولذا .. فترك الكذب طريق لترك الذنوب .
3الكذب منشأ للنفاق:
لأنّ الصدق يعني تطابق اللسان مع القلب ،في حين أن الكذب يعني عدم تطابق اللسان مع القلب ،وما النفاق إِلاّ الاختلاف بين الظاهر والباطن .
والآية ( 77 ) من سورة التوبّة تبيّن لنا ذلك بوضوح: ( فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) .
4لا انسجام بين الكذب والإِيمان:
وإِضافة إلى الآية المباركة فثمة أحاديث كثيرة تعكس لنا هذه الحقيقة الجليّة ...
فقد روي أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) سُئل: يكون المؤمن جباناً ؟قال: «نعم » ،قيل: ويكون بخيلا ؟قال: «نعم » ،قيل: يكون كذّاباً ؟قال: «لا »{[2144]} .
ذلك لأنّ الكذب من علائم النفاق ،وهو لا يتفق مع الإِيمان .
وبهذا المعنى نقل عن أمير المؤمنين( عليه السلام ) أنّه أشار لهذا المعنى واستدل عليه بالآية مورد البحث .
5الكذب يرفع الاطمئنان:
إِنّ وجود الثقة والاطمئنان المتبادل من أهم ما يربط الناس فيما بينهم ،والكذب من الأُمور المؤثرة في تفكيك هذه الرابطة لما يشيعه من خيانة وتقلب ،ولذلك كان تأكيد الإِسلام على أهمية الالتزام بالصدق وترك الكذب .
ومن خلال الأحاديث الشريفة نلمس بكل جلاء نهي الأئمّة( عليهم السلام ) عن مصاحبة مجموعة معينة من الناس ،منهم الكذّابون لعدم الثقة بهم .
فعن علي( عليه السلام ) أنّه قال: «إِيّاك ومصادقة الكذّاب ،فإِنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعد عليك القريب »{[2145]} .
والحديث عن قبح الكذب وفلسفته ،والأسباب الداعية إِليه من الناحية النفسية ،وطرق مكافحته ،كل ذلك يحتاج إلى تفصيل طويل لا يمكن لبحثنا استيعابه ،ولمزيد من الإِطلاع راجع كتب الأخلاق{[2146]} .